التوحيد ومعرفة الله (تعالى) على لسان الحسين (عليه السلام)




ما فتئ أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم) يُرشدون الناس ويبيّنون لهم معالم دينهم، ليستنقذوا عباد الله تعالى من الجَهالة وحيرة الضَّلالة.

وقد رشحت عن كلِّ واحدٍ منهم آياتٌ باهرة وكلمات مضيئة، أنارت للموحّدين دروبهم، واستنارت بها قلوب محبّيهم، حتّى أظهر الله (تعالى) بهم دينه على الدِّين كلِّه ولو كرِه المشركون.

وكان أبو العبوديّة وسيّد الشهداء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أحدَ حُجَجه على بريّته وأنصارِه لدينه وحفظةِ سرّه، فكان خازن علمه (تعالى) ومستودَع حكمته وترجماناً لوحيه، وكان ركناً من أركان توحيده في الأرض والسماء، حتّى دعا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذل نفسه في مرضاته، وصبر على ما أصابه في حبّه، فتحتّم أن يبدأ به من أراد الله (تعالى)، وأن يقبل عنه من وحّده، وأن يتوجّه به وإليه من قصده.

ومن هنا نستقي من بعض ما أفاض به علينا من معينه العذب..

* * * * *

– قال الإمام الحسين (عليه السلام): «أيّها الناس! اتّقوا هؤلاء المارِقَةِ الّذين يُشبّهُونَ اللهَ بأنفُسِهِم، يضاهِؤون قولَ الّذين كفَروا مِن أهلِ الكتاب، بل هو اللهُ ليس كمِثلِه شيءٌ وهو السميعُ البصير، لا تُدرِكُه الأبصارُ وهو اللّطيفُ الخبير، استَخْلَصَ الوَحدانيّةَ والجَبَرُوت، وأمضى المَشيئةَ والإرادةَ والقُدرةَ والعلمَ بما هو كائن، لا مُنازِعَ له في شيءٍ مِن أمْرِه، ولا كُفْوَ له يُعادِلُه، ولا ضِدَّ له يُنازِعُه، ولا سَمِيَّ له يُشابِهُه، ولا مِثْلَ له يُشاكِلُه، لا تَتَداولُه الأُمورُ، ولا تجري عليه الأحوال، ولا تَنْزلُ عليه الأحداث، ولا يُقَدِّرُ الواصفون كُنْهَ عظمتِه، ولا يَخطُرُ على القلوب مَبْلَغُ جبروتِه؛ لأنّه ليس له في الأشياءِ عَديلٌ، ولا تدركه العلماءُ بألبابِها، ولا أهلُ التّفكير بتفكيرِهِم، إلّا بالتحقيقِ إيقاناً بالغَيْب؛ لأنّه لا يُوصَفُ بشيءٍ مِن صفاتِ المخلوقين، وهُو الواحدُ الصّمَد، ما تُصُوِّرَ في الأوهامِ فهُوَ خِلافُه. ليس بربٍّ مَن طُرِحَ تحتَ البَلاغ، ومَعبودٍ مَن وُجِدَ في هَواءٍ أو غيرَ هواء، هو في الأشياءِ كائنٌ لا كَيْنُونَةَ محظُورٍ بها عليه، ومِن الأشياءِ بائنٌ لا بَيْنُونَةَ غائبٍ عنها، ليس بقادرٍ مَن قارنه ضِدٌّ أو ساواه نِدّ، ليس عن الدّهْرِ قِدَمُه، ولا بالناحيةِ أَمَمُه، احتَجَبَ عن العقولِ كما احتجبَ عن الأبصار، وعمّن في السماءِ احتجابُه كمَن في الأرضِ، قُربُه كرامتُه وبعدُه إهانتُه، لا يُحِلُّه (في)، ولا تُوقّتُه (إذا)، ولا تؤامِرُه (إن)، عُلوُّه مِن غيرِ تَوَقُّل، ومَجيئُه مِن غيرِ تَنقُّل، يُوجِدُ المَفقُودَ ويُفْقِدُ الموجود، ولا تجتمعُ لِغَيرِه الصّفتانِ في وقتٍ، يُصيبُ الفِكرُ منه الإيمانَ به موجوداً، ووُجودُ الإيمان، لا وجودَ صِفةٍ، به تُوصَفُ الصفاتُ لا بها يُوصَف، وبه تُعرفُ المعارفُ لا بها يُعرف، فذلك اللهُ لا سَمِيَّ له، سبحانه ليس كمثلِه شيءٌ وهو السميعُ البصير» (تحف العقول: ١٧٣، بحار الأنوار: ٤ / ٣٠١ ح ٢٩).

– وعن عكرمة قال: بينما ابن عبّاس يحدّث الناس، إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال: يا ابن عباس! تفتي في النملة والقملة؟! صِفْ لنا إلهك الّذي تعبُده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله (عزّ وجل)، وكان الحسين بن علي (عليهما السلام) جالساً ناحية، فقال (عليه السلام): «إلَيَّ يا ابن الأزرق»، فقال: لستُ إيّاك أسأل. فقال ابن العباس: يا ابن الأزرق، إنّه من أهل بيت النبوّة، وهم وَرَثة العلم. فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين (عليه السلام)، فقال له الحسين (عليه السلام): «يا نافع، إنّ مَن وضع دِينَه على القياسِ لم يزَلِ الدَّهرَ في الارتماس، مائلاً عن المِنهاج، ظاعناً في الاعوِجاج، ضالّاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل. يا ابن الأزرق، أصفُ إلهي بما وصَفَ به نفسَه، وأُعرّفُه بما عرَّفَ به نفسَه؛ لا يُدرَكُ بالحواسِّ ولا يُقاسُ بالنّاس، فهو قريبٌ غيرُ مُلْتَصِق، وبعيدٌ غيرُ مُنتَقِص، يُوَحَّدُ ولا يُبَعّض، معروفٌ بالآياتِ، موصوفٌ بالعلامات، لا إله إلّا هو الكبيرُ المُتعال» (التوحيد: ٧٩ ح ٣٥، بحار الأنوار: ٤ / ٢٩٧ ح ٢٤، و٢ / ٣٠٢، مستدرك الوسائل: ١٧ / ٢٦١ ح ٢١٢٨٧).

وفي روايةٍ: فبكى ابن الأزرق وقال: يا حسين، ما أحسن كلامك! قال له الحسين (عليه السلام): «بلَغَني أنّك تشهدُ على أبي وعلى أخي بالكفر وعلَيّ!». قال ابن الأزرق: أما والله يا حسين، لئن كان ذلك، لقد كنتم منارَ الإسلام ونجومَ الأحكام. فقال له الحسين (عليه السلام): «إنّي سائلُك عن مسألةٍ». قال: اسأل. فسأله عن هذه الآية: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ (سورة الكهف: ٧٢)، «يا ابن الأزرق، مَن حُفِظ في الغلامين؟». قال ابن الأزرق: أبوهما. قال الحسين (عليه السلام): «فأبوهما خيرٌ أم رسولُ الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟». قال ابن الأزرق: قد أنبأنا الله تعالى أنّكم قومٌ خصمون (ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من تاريخ ابن عساكر: ١٥٧ ح ٢٠٣).


– وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) على أصحابه، فقال: «أيها الناس، إنّ اللهَ (جلّ ذكره) ما خلق العبادَ إلّا ليعرِفُوه، فإذا عَرفُوه عبدُوه، فإذا عبدوه استغنَوا بعبادتِه عن عبادةِ ما سواه». فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وأُمّي، فما معرفة الله؟ قال: «معرفةُ أهلِ كلِّ زمانٍ إمامَهُم الّذي يجبُ عليهم طاعتُه» (علل الشرائع: ٩ ح ١، كنز الفوائد: ١٥١ بتفاوتٍ يسير، بحار الأنوار: ٥ / ٣١٢ ح ١، و٢٣ / ٨٣ ح ٢٢).

– كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما)، يسأله عن القدر، وكتب إليه: «إتّبع ما شرحتُ لك في القَدَر ممّا أُفضِيَ إلينا أهلَ البيت، فإنّه مَن لمْ يُؤمن بالقَدَر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومَن حمَل المعاصي على اللهِ (عزّ وجل) فقد افترى على الله افتراءً عظيماً. إنّ اللهَ (تبارك وتعالى) لا يُطاع بإكراهٍ، ولا يُعصى بغَلَبة، ولا يُهمِل العبادَ في الهَلَكة، ولكنّه المالك لِما ملّكَهُم، والقادرُ لِما عليه أقدَرَهم، فإن ائتَمَروا بالطاعةِ لم يكن لهم صادّاً عنها مُبْطِئاً، وإن ائتمَروا بالمعصيةِ فشاءَ أن يمُنّ عليهم فيحولَ بينهم وبين ما ائتمروا به فَعَل، وإن لم يفعل فليس هو حامِلُهم عليهم قَسْراً، ولا كلّفهم جَبْراً، بتمكينِهِ إيّاهم بعد إعذارِه وإنذارِه لهم واحتجاجِه عليهم، طوَّقَهم ومكّنَهم، وجعل لهم السبيل إلى أخْذِ ما إليه دعاهم، وتَرْكِ ما عنه نهاهم، جعَلَهم مستطيعين لأخْذِ ما أمرهم به مِن شيءٍ غير آخِذيه، ولتركِ ما نهاهم عنه من شيءٍ غير تاركيه، والحمدُ لله الّذي جعل عبادَه أقوياء [لما] أمرَهم به، ينالون بتلك القوّة ونهاهم عنه، وجعل العُذْرَ لمن يجعلُ له السبَبَ جُهداً مُتَقَبِّلاً، فأنا على ذلك أذهبُ وبه أقُول والله، وأنا وأصحابي أيضاً عليه، وله الحمد» (الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): ٤٠٨ ح ١١٨، معادن الحكمة: ٢ / ٤٥ ح ١٠٣، بحار الأنوار: ٥ / ١٢٣ ح ٧١).

– وقال (عليه السلام): «ما أخَذَ اللهُ طاقةَ أحَدٍ إلّا وضَعَ عنه طاعتَه، ولا أخذَ قدرتَه إلّا وضَعَ عنه كُلْفَتَه» (تحف العقول: ١٧٥، بحار الأنوار: ٧٨ / ١١٧ ح ٤).