القرآن وكيفية استنطاقه


 

 

إن من معاجز القرآن الخالدة هو استنطاقه للتمييز بين الحق والباطل في كل مفردة من مفردات الحياة، فهو الحكم الفصل والفارق الذي يفرق بين الحق والباطل وكان الإمام زين العابدين (ع) يقول في صفة القرآن في الدعاء عند ختم القرآن: "وفرقاناً فرقت به بين حلالك وحرامك وكتاباً فصلته لعبادك تفصيلاً وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن يعتصم بحبله ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله ويسكن في ظل جناحه ويهتدي بضوء مصباحه" (الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 42).

وكان أمير المؤمنين(ع) يقول في القرآن: "كتاب الله تبصرون به وتنطقون به وتسمعون به وينطق بعضه ببعض ويهد بعضه على بعض ولا يخالف بصاحبه عن الله" (نهج البلاغة، خطبة 133).

إنما يكون القرآن فصلاً وفرقاناً إذا حاول الانسان أن يستنطق القرآن ويحكّمه في حياته على نفسه وفيما يختلط عليه من أمر الحق والباطل لذلك يقول أمير المؤمنين (ع): "فاستنطقوه – القرآن – ولن ينطق ولكن أخبركم عنه ألا أن فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم" (بحار الأنوار، ج92، ص23، عن نهج البلاغة، ص156).

وإنما ينطق القرآن لنا بعلم ما يأتي بما يبين من سنن الله في التأريخ وفي حياة الانسان.

ولكي ينطق القرآن لنا بالقول الفصل وبالفرقان بين الحق والباطل علينا أن نحكم القرآن على آرائنا وتصوراتنا ولا نحكم آراءنا وتصوراتنا وقناعاتنا على القرآن فإن "مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار" (من حديث رسول الله، تفسير العياشي، ج1، ص2).

إذن، فالذي يجعل القرآن أمامه ويتخذه إماماً يقوده القرآن إلى الجنة ومَن يحاول أن يحمل القرآن آراءه وقناعاته وهواه ويتقدم القرآن يسوقه إلى النار. وإذا حكمنا القرآن على آرائنا وقناعاتنا وجعلنا القرآن مقياساً وميزاناً لتصحيح أفكارنا واتخذنا من القرآن إماماً واستنطقناه فإنه يفتح صدره لنا ويمنحنا نوراً وبصيرة تشخيصاً وتمييزاً في حياتنا لا يلتبس معه علينا الحق بالباطل ولا الهدى بالضلال وخير شاهد على ذلك ما رواه الحارث الأعور، قال:

دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، فقتل: يا أمير المؤمنين! إنا إذا كنا عندك سمعنا الذي نسد به ديننا وإذا خرجنا من عندك سمعنا أنباء مختلفة مغموسة لا ندري ما هي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أتاني جبرائيل، فقال: يا محمد! سيكون في أمتك فتنة، قلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خبر وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من وليه جبار فعمل بغيره أقصمه الله ومن التمس الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهواء ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق عن الرد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم مجيد (تفسير العياشي، ج1، ص3).

ولا ريب أن القرآن لينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض والذين آتاهم الله أسرار القرآن وفهمه يحسنون فهم القرآن واستنطاقه لأنهم حملة القرآن وصدورهم خزانة له فهم أعلم به من غيرهم، بل هم القرآن الناطق سلام الله عليهم وهم رسول الرحمة وأهل بيته الكرام.

وروي عن رسول الله(ص) أنه قال: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وما حل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب تفصيل وبيانه تحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكمة وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنازل الحكمة دليل على المعروف لمن عرفه، قال الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)" (وسائل الشيعة، باب استحباب التفكير في معاني القرآن، ج6، ص171).