ذنب لاغفران له



ان الله - جل وعلا - يغفر بعض الذنوب ولكن هناك ذنوبا لايغفرها ، فماهي تلك الذنوب التي لايغفرها ؟ من ضمن تلك الذنوب الذنب الذي يستصغره ويستهين به صاحبه ، ويسوف التوبة منه كأن يغتاب أخاه المؤمن ثم يقول بعد ذلك " لاجعلها الله غيبة عليه !! وكأن هذه العبارة ستطهره من هذا الذنب ، او أن يكذب كذبة ثم يصفها بعد ذلك قائلا انها كذبة بيضاء في حين ان الكذب كلمه أسود او ان يحتقر الانسان الأخرين وهو لايعلم انه في الحقيقة يحتقر نفسه كما قال - تعالى - : { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِن نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ} (الحُجُرات/11) فلماذا احتقار الآخرين ؟ ان الذي يحتقر انسانا مؤمنا فانما يحتقر نفسه ، ومن يستهزئ به فانما يستهزئ بقيمه ، فالمؤمن هو مؤمن سواء كان من لونك أم من لون آخر ، وسواء كان من وطنك أم من وطن آخر ، وسواء كان غنيا او فقيرا . وهكذا تنشأ الخطايا الكبيرة من الذنوب الصغيرة التي نستهين بها ، واذا ما اردت ان تكون مثالا للعبد الصالح المطيع لربه فعليك ان لاتتحدى سلطان ربـك ، ولاتغـتر بنفسك فتذنب وتقول سيغفر لي ربي ، فمن يقول انه سيغفر لك ؟ وقد اشــار - تعالى - الى هذا التبرير في قوله على لسان الاشخاص الذين يحملون الثقافة التبريرية : { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ، وهذا هو التبرير الاول الذي تصدر منه سائر التبريرات . ومثل هؤلاء يدورون مع الدنيا حيثما دارت ، ويبررون ممارساتهم المغلوطة ببعض التبريرات الواهية ، والقرآن الكريم يخاطبهم قائلا : { اَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ اَن لاَيَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } ، فلماذا يجعلون افكارهم الباطلة هي المقياس ، ولايتخذون من القرآن ميزانا بينهم وبين اعمالهم ؟ ان المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الانسان هي حب الدنيا ، واذا ما اراد ان يتخلص من مرض التبرير فما عليه الا ان يقتلع هذا الحب من نفسه ، وسيرى كيف ان التبريرات ستتساقط الواحدة تلو الاخرى ، لان حب الدنيا رأس كل خطيئة كما جاء في الحديث الشريف . ان الاناس التبريريين يتصورون ان الله - تبارك وتعالى - سيغفر لهم لأنهم يريدون عرض الادنى ، اما اذا ارادوا الدار الآخرة فانهم سوف يكفون عن هذه التبريرات ، والله - سبحانه وتعالى - يخاطبهم قائلا : { أَفَلا تَعْقِلُون } ، لماذا لا تنتفعون من عقولكم هذه الموهبة التي منحها الله - تعالى - للانسان ؟ ثم يستأنف السياق الكريم قائلا: { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لانُضِيعُ اَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} وهذا يعني ان على الانسان المسلم ان يتمسك بالكتاب بقوة كما قال - تعالى - مخاطبا نبيه الكريم يحيى : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةِ} (مَريم/12) ، وكلمة المصلحين هنا تأتي في مقابل المفسدين . فالتبرير هو الذي يفسد الانسان وعندما يفسد الانسان فانه يعمـد الى إفساد الآخريـن . ويستمر السياق القرآني ليستعرض لنا تبريرات اخرى من تلك التبريرات التي كان بنو اسرائيل لايكفون لحظة واحدة عن اختلاقها : { وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَاَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنــُّوا أَنــَّهُ وَاقــِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَآءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وهذه هي معجزة اخرى انزلها الله - تعالى - على بني اسرئيل بسبب كثرة تبريراتهم ، وكثرة التفافهم حول القرارات الرسالية ، فقد نتق الله - سبحانه وتعالى - قطعة من الجبل ، وجعلها فوق رؤوسهم وكأنها سحابة سوداء ، ثم طلب منهم ان يأخذوا ما آتاهم بقوة ، وان لايكونوا ضعفاء الايمان ، ولايختلقوا التبريرات ، ولايناقشوا القرارات الالهية . ثم يعود القـرآن الكريم ليبيـن تـبرير الانسان على طـول الخط فيقـول - عـز من قائل - : {وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } ، فمن الممكن ان يأتي يوم يبرر فيه الانسان اعماله ، ولذلك فقد القى الله - عز وجل - الحجة عليه . وهكـذا فان التبريـر الاول الذي تعرضه علينا الآيات الكريمة السابقة هو الاعتقاد الباطل للانسان المشرك بأن الله - سبحانه وتعالى - سيغفر له رغم الذنوب التي يرتكبها ، والخطايا التي تصدر منه والتي يقف الشرك في مقدمتها ، اما التبرير الثاني فيتمثل في الغفلة ، هذه الغفلة التي لايستطيع الانسان بأي حال من الاحوال ان يبررها عندما يمثل للحساب امام رب العالمين . وللأسف فان الانسان لايغفل عن الامور الدنيوية . الى درجة انك تراه حريصا على انجازها في اوقاتها ومهتما في التمهيد لها ، ولكنه في المقابل يغفل عادة عن اداء الواجبات التي فرضها الله - تعالى - عليه من مثل اداء الصلوات في اوقاتها وانجاز ما عليه من حقوق تجاه الآخرين والقيام بالاعمال الصالحة ، وهذه الحالة السلبيلة ناجمة بالدرجة الأولى من صفة التبرير السلبية المزروعة في نفس الانسان البعيد عن ذكر الله - سبحانه وتعالى - . فلنحاول ان ننقذ انفسنا من هذه الحالة المرضيّة التي من الممكن ان تؤدي الى سوء العاقبة - والعياذ بالله - ، ولنسع من أجل ان نفك انفسنا من قيود واغلال التبرير لكي نستطيع ان نضمن سعادتنا في الدنيا والآخرة .