الدروس المستفادة من ثورة الحُسين -عليهِ السلام-



أولاً: الأبديةِ والخلود.. إن رَب العالمين حَريصٌ على عباده، وهو الخَبير، وهو القوي؛ ويرى كل ما يجري في هذه الأمةِ من أحداث.. لذا علينا أن نعلم أنَ اللهَ -عزَ وجل- يكتبُ الخلود لأوليائه الصالحين، فأحدنا يعيش ستين سنة منَ الحياة، ليستقبل بها الأبدية، وما أدراك ما الأبدية!.. إنها حقيقة مذهلة!.. فالإنسان يموت لكي يبقى حياً، وخطاب رب العالمين لأهل الجنة: (من الحي الذي لا يموت، إلى الحي الذي لا يموت)؛ طبعاً بإذن اللهِ -عزَ وجل-، تلكَ حياةٌ ذاتية وهذهِ عَرضية.. فمن أرادَ أن يكتسبَ الخلود والأبدية، فليكن على نهجِ الحُسينِ -عليهِ السلام-؛ أي يعطي وجودهَ للهِ -عزَ وجل- ليتولى تربيته!..

ثانياً: الجامعية.. إن الإنسان المؤمن لابد أن يكون معتدلاً في حياته، فبعض الناس -مع الأسف- يعيش حالة تذبذبية: تارة يُصبح إنساناً اجتماعياً، فيرشح نفسه للمجالس النيابية -مثلاً- ويجمع حوله الأنصار والأعوان والمريدين.. وتارة يُصاب بخيبة أمل، فيتقوقع في المنزل.. أي ليست لهُ وتيرة ثابتة في الحياة، وهذا التذبذب حالة غير طيبة!.. فالإنسان يجب أن يكون متوسطاً، ويقسم وقته: في الليل يكون عابداً، وفي النهار يقضي حوائجَ الناس، كما في وصف المتقين للإمام علي -عليه السلام-: (أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالون لأجزاء القرآن ترتيلاً،... فأمّا نهارهم: فحكماء بررة، علماء أتقياء).. أحد العلماء الكبار لهُ كلمة جميلة، يقول فيها: في الليل إصعد إلى العرش، وفي النهار إنزل إلى الفرش!.. أي في الليل لتكن لكَ خلوة معَ رب العالمين، ولا داعي لأن تتصومع عشرات السنين، فلا يراكَ أحد.. فالحُسين -عليهِ السلام- لهُ خلواتهُ في الليل، وفي مثل هذه الأيام طَلِبَ مُهلة ليعبدَ اللهَ -عَزَ وجل- ليلة إضافية من حياته.. عندما بعث العباس ليفاوضهم في تأجيل القتال قال له: (ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية.. لعلنا نصلي لربنا الليلة، وندعوه، ونستغفره.. فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار).. وأصحاب الحسين -عليه السلام- ليلة العاشر من محرم، كانَ لهم دويٌ كدوي النحل من شدة العبادةِ، وتلاوة القرآن، والصلاة بينَ يدي اللهِ عزَ وجل، (وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويّ كدويّ النحل: ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد).. ولكن لما طَلعت عليهم شمس يوم عاشوراء، أصبحوا كالأسود الضارية.. فإذن، إن المؤمن يكون متوازناً في كل أعماله، وكذلك عندَ النهي عن المنكر، وعندَ الأمر بالمعروف؛ فهذهِ هيَ الجامعية التي نريدها.

ثالثاً: الاطمئنان.. إن الاطمئنان بلغ بأصحاب الإمام الحسين -عليه السلام- أنهم في يوم عاشوراء، أو في ليلة عاشوراء، كانوا يتمازحون، (فجعل برُير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: يا بُرير أتضحك؟.. ما هذه ساعة باطل، فقال برير: "لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه.. فو الله!.. ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة، ثم نعانق الحور العين").. هذا الاطمئنان لهُ قيمة كُبرى في حياة الإنسان، لذا المؤمن يسأل اللهَ -عز وجل- قائلاً: (اللهم!.. حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، والتي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني..).. فالإنسان إن كان فقيراً، وجائعاً، وبلا مأوى، أو في السجن؛ ولكنَ قلبه مطمئن بذكر الله؛ فهو كنف الله، وفي رحاب الله -عز وجل-.. وأما فرعون صاحب الأهرامات، وأمثاله من أصحاب النعيم؛ فهؤلاء يعيشونَ في قصور، ورزقهم يكفيهم إلى آخر عمرهم؛ ولكنهم يعانون من الاكتئاب والقلق، و..الخ.. فإذن، علينا أن نتعلم درس الطمأنينة من أصحاب الحُسينِ -عليهِ السلام-.