خلود المعجزة



في ذكرى رحلة رسول الاسلام، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) في الثامن والعشرين من شهر صفر المظفر،

إن سر خلود معجزة الرسول (صلى الله عليه وآله) هو ارتباطها بعقل الانسان، وهو المخلوق الاعظم الذي خلقه الله تعالى من نور، كما ورد ذلك عن الرسول الكريم، وهو الذي قال عنه رب العزة في حديث قدسي{بك اثيب وبك اعاقب} ولان عقل الانسان لا حد له، وهو قابل للتطور في كل زمان ومكان، لذلك فان معجزة الرسول الاكرم (القرآن الكريم) التي تتحدث الى العقل، خالدة لا حد لها، وستظل تتحدى الانسان في اسرارها وعلومها ومعانيها ومضامينها الى يوم يبعثون. وبقليل من التمعن والتدبر في آيات القرآن الكريم، يتبين لنا بان الهدف الاسمى لمعجزة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) هو ان يعمل الناس (احسن) العمل وليس مجرد العمل فقط، ولذلك نحن نقرا في العديد من آيات القرآن الكريم هذا المعنى بشكل واضح، كقوله تعالى{وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا} وفي قوله عز وجل{انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا} وفي قوله تعالى{ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا} وفي قوله عز من قائل{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور} والعشرات من الآيات بهذا المعنى، وهذه دعوة قرآنية واضحة وصريحة للإنسان، لأن يجتهد ويبذل قصارى جهده من اجل انجاز احسن الاعمال، من خلال الاخذ بالأسباب والادوات والعوامل التي تعينه على ذلك.



 لقد خلق الله تعالى الانسان على احسن صورة، كما في قوله تعالى{لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم} وفي قوله تعالى{خلق السماوات والارض بالحق وصوركم فاحسن صوركم واليه المصير} وفي قوله عز وجل{الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فاحسن صوركم} وفي قوله عز من قائل{الذي احسن كل شئ خلقه وبدا خلق الانسان من طين} كما انه تعالى فطر الإنسان على احسن فطرة، كما في قوله تعالى {فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون} وفي قوله تعالى{صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون} كما انه تعالى بعث للإنسان احسن الدين واتم المناهج، كما في قوله تعالى {ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم} وفي قوله تعالى{ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا} وفي قوله عز وجل{افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون} وفي قوله تعالى {الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم في ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} وفي قوله تعالى{ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا} كما انه تعالى قص على الانسان احسن القصص والعبر الانسانية، كما في قوله تعالى{نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين} وعندما يكون للإنسان احسن خالق كما في قوله تعالى{أتدعون بعلا وتذرون احسن الخالقين} وفي قوله تعالى{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين} وعندما يكون له احسن رسول كما في قوله تعالى يصف رسول الاسلام{وانك لعلى خلق عظيم} وفي قوله تعالى{لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا} عندما يكون كل ذلك واكثر لهذا الانسان، فلماذا لا يحقق الهدف الاسمى من الخلق الا وهو{احسن عملا} كما هو المطلوب منه؟ اما اذا اخفق في ذلك، افلا يعني ان المشكلة في الانسان نفسه وليس في الخالق او الخلق او المنهج؟ بالضبط كالابن الذي يهيئ له ابوه كل اسباب التفوق والنجاح من خلال تسجيله في احسن المدارس ذات المناهج الدراسية والتربوية النموذجية ويهيئ له افضل الاساتذة والمعلمين وافضلهم خبرة في التدريس والتعليم، ثم يهيئ له افضل اللباس والطعام واسباب الراحة، ومع كل هذا لا يتفوق هذا الطالب في المدرسة ولا يحقق النتائج المرجوة منه وهو يتمتع بكل اسباب التفوق، افلا يعني ان المشكلة فيه، اما بسبب عدم قدرته على الاستيعاب او اهماله لواجباته المدرسية او عدم اعتنائه بدروسه او تقصيره في قراءة المناهج، او ربما بسبب تسيبه ولا أباليته؟ من دون ان نحمل اي واحد آخر سبب عدم تفوقه والحال هذه.

الانسان كذلك، فعندما يكون له احسن خالق وقد صوره في احسن هيأة وخلق وبعث له احسن رسول وامام وبأحسن منهج ومدرسة، ثم يفشل في انجاز احسن الاعمال فهذا يعني ان هنالك خلل في هذا الانسان وليس في خالقه او دينه او نبيه.


 هنا يرد السؤال التالي، الا وهو:

 كيف يمكن للانسان ان ينجز احسن الاعمال باعتماد معجزة الرسول الكريم الخالدة الا وهي القرآن الكريم؟ وبعبارة اخرى، كيف يمكن ان يكون القرآن الكريم معجزتنا الخالدة؟.

 الجواب، من خلال الاخذ بالاسباب التي تعينه على ذلك وهي كما يلي:

 اولا؛ اتباع احسن القول، كما في قول الله عزوجل{الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هو اولوا الالباب}.

 ثانيا؛ الاخذ باحسن ما انزل الله تعالى، من خلال اعتماد افضل التفسير والتاويل، كما في قوله تعالى{واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون} او في قوله تعالى{وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وامر قومك ياخذوا باحسنها ساريكم دار الفاسقين}.

 ثالثا؛ الدعوة بالحسنى، والجدال بالتي هي احسن، من خلال انتهاج طريق المنطق والدليل والحكمة واللين، كما في قوله تعالى{ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين}او في قوله تعالى{وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا} او في قوله تعالى{ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن} او في قوله عز من قائل{ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين}.

 رابعا؛ التدافع بالتي هي احسن عندما تصل مراحل الجدال الى طريق مسدود مع الاخر، وعدم استخدام العنف كنهاية لاي حوار، كما في قول الله تعالى{ادفع بالتي هي احسن السيئة نحن اعلم بما يصفون} او في قوله عز وجل{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم}.

 اذن، فان طريق تحقيق {احسن عملا} هو الاصغاء الاحسن والاختيار الاحسن والحوار والجدال الاحسن وبالتالي الدفع بالتي هي احسن، فاذا تحقق كل ذلك، تحقق {احسن عملا} وعندها سنكون المصداق العملي والواقعي الواضح لقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي اوصى شيعته بقوله {كونوا لنا دعاة صامتين} او {كونوا لنا دعاة بغير السنتكم} ومعنى ذلك ان تكون داعية بعملك الحسن وليس بالقيل والقال او بالادعاء الفارغ الذي يناقض في احيان كثيرة اعمال الانسان وانجازاته، اذ، وكما هو معروف، فان اختبار دين الناس بعملهم وليس بما يدعون او يقولون، والى هذا المعنى اشار قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) {الدين المعاملة} اذ ليس المهم ما يقوله الانسان، وانما ما يعمله، فكثيرون هم الذين يقولون القول الحسن ويرفعون اعظم الشعارات، الا ان القليل منهم هم الذين يصدقون اقوالهم الحسنة المحببة بافعالهم الحسنة، وشعاراتهم الخلابة والساحرة بانجازات انسانية تنفع الصالح العام.

 اذا تحقق كل ذلك، فستكون الخاتمة لهذا الانسان، احسن خاتمة، وسيجزى احسن جزاء، كما في قول الله تعالى{ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون} وفي قوله عز من قائل{ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون} وفي قوله تعالى{من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون} وفي قوله عز وجل{ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} وفي قوله تعالى{اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا} و{الذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم احسن الذي كانوا يعملون}و{ليكفر الله عنهم اسوا الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن الذي كانوا يعملون}و{رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات ليخرج الذين امنوا وعملوا الصالحات من الظلمات الى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا قد احسن الله له رزقا} وفي قوله تعالى{اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}.