العلة من حدوث البلاء



إعلم إنّ سنة الله في هذه الأرض هو أن يمتحن ويختبر عباده ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)) سواء أكان مطيعاً أم عاصياً وعلى درجات وضمن التحمل ليعلم من يطيعه ومن يعصيه فقد قال تعالى ((وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ))/ العنكبوت 3 ، فهل يثبت المطيع فيرتقي في سلم الكمالات أم يسقط فيكون من الخاسرين ، وهل يستيقظ العاصي من غفلته فيكون من المنقذين أم يزداد طغياناً فيكون من الأخسرين .


ويكون نزول البلاء ليس اعتباطاً وعشوائياً وبدون تخطيط بل بحسب مايقتضيه العباد من حسن الأفعال وقبحها وصالح الأعمال وطالحها ، فربما يكون الانسان مكتوباً في الأشقياء ثم يمحى ويكتب في السعداء أو بالعكس فقال تعالى ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ))/ الرعد 39 .


وقد يكون وقوع البلاء خاصاً يشمل الشخص نفسه أو يكون عاماً فيشمل الجميع ، وقد يكون البلاء عقاباً أو رحمة حسب طبيعة العبد ومايقتضيه .


فالهدف من البلاء ليس بالضرورة أن يكون عقاباً بل قد يكون ايقاضاّ من الغفلة التي يعيشها الانسان فيتوب الى ربه ويستغفره ويعود الى جادة الحق ، وبذلك تكون رحمة له . وليس شرطاً أن يكون البلاء بالضراء فقط بل قد يكون بالسراء ، فقد يبتلي الله العبد بالضر فيصبر ويتحمل ولكنه عندما يبتليه بالسراء لايتحمل ذلك فيهوي ويسقط .


واذا نزل البلاء فعلى العبد أن يمتثل لقوله تعالى ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)) ، ويجب أن يعلم بان البلاء الخاص هو أهون بكثير وأقل مشقة من البلاء العام ، فالعبد يستطيع أن يتجاوز ويتغلب على البلاء بالصبر والثبات على طريق الحق وإعمال الفكر والعقل ويذكّر نفسه بان الضار والنافع هو الله وحده والذي ينقذه هو وحده سبحانه وتعالى فلا يتزلزل إيمانه ويصبح من الخاسرين ، لأن العبد لايُعرف إيمانه إلا بالتمحيص فقد قال الإمام الحسين عليه السلام ((ان الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)) ، أما إذا كان البلاء عاما فسيكون شاقا ويضطرب العقل عندها . 

وإذا أبتلي المؤمن وصبر فان الله سبحانه وتعالى يعوضه عن ذلك من حكمته وعدله ، فقد يكون هذا التعويض في الدنيا إضافة الى ثوابه في الآخرة ، وقد يؤجله الى الآخرة ليرفع درجاته فيزداد قرباً من الله سبحانه وتعالى .