سورة الكوثر.. عطاء غير مجذوذ


بسم الله الرحمن الرحيم( إنّا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر)سبب نزول السورة : نزلت عندما وصف العاص بن وائل الرسولَ (ص) بالأبتر ، بعد ما مات ابنه القاسم ثم عبد الله . معاني الكلمات : (الكوثر) : الخير الكثير / (وانحر) : وارفع يديك إلى منحرك حال التكبير في الصلاة / (شانئك) : مبغضك /(الأبتر) : المنقطع النسل . (1) عطاء غير مجذوذ: كل عملية عطاء لا بد أن تتوافر فيها العناصر الثلاثة التالية : المعطي و المعطى إليه و العطية ، فإذا نقص عنصر واحد منها فلن تكون عملية عطاء حقيقية ، بل ستكون عملية تمثيلية أو تضليلية ، وقد أعطى الله تعالى رسولنا الكريم الكوثر ( التي من ضمن معانيها الأساسية ذرية الرسول ونسله (ص) ) ، فهذه عملية إعطاء حقيقة نجدها جليّة ومتحققة عندما رُزق الرسول (ص) بفاطمة (ع) لتنحدر منها الذرية الطاهرة . وفي التعبير القرآني فإنّ ( إنّا ) تشير للمعطي وهو الله تعالى ، والكاف في ( أعطيناك ) تشير للمعطى إليه وهو الرسول (ص) ، و ( الكوثر ) تشير للعطية .ولكن هذه العملية ليست كالعطاءات الأخرى بل هي ( عطاء غير مجذوذ ) وغير منقطع ، إن الله تعالى أعطى مثل هذا العطاء في الآخرة للمؤمنين ، ولكنّه عزّ وجلّ لم يعطه لأحد في الدنيا ، إلا رسولنا الكريم وأهل بيته (ع) في هذه السورة ، ونستشف ذلك من صيغة ( الكوثر ) التي تدّل على الخير الذي من شأنه الكثرة والاستمرار ، وأيضاً من خلال مقابلة السورة الشريفة هذه النعمة بتعبير ( الأبتر ) وهو المنقطع عقبه ونسله ، و ها نحن نرى الآن أن ذرية الرسول (ص) هي الذرية التي لم تنقطع ، بل هي الذرية التي تزداد يوماً بعد يوم ، حتى أصبحت أكبر ذرية على وجه الأرض . ( فقد بلغت حسب بعض التقديرات أكثر من عشرين مليون نسمة ) .وهنالك ميزة أخرى لهذا العطاء الإلهي ، فهو ليس عطاء يختصّ بشخص الرسول (ص) بل يتعداه إلى أهل بيته وإلى المؤمنين كافّة ، فالنجم عندما يعطيه الله النور والزينة ، فهو عطاء لنا أيضاً لأننا نجني من هذا العطاء الهداية ، قال تعالى : ( علامات وبالنجم هم يهتدون ) ورسول الكريم نور وعطاء النور نوراً لا ينقطع إنما هو لهدايتنا إلى يوم القيامة بلا انقطاع .هذه المعادلة قد ألّفت بعناصرها المتميّزة ( نعمة إلهية ) دائمة ، فما هو واجبنا اتجاه النعم ؟ (2) زينة الشكر:كل نعمة إلهية تحتاج إلى الشكر لكي نقدّرها ونحفظها من الزوال ، فقد جاء الشكر في آيات اذكر الحكيم مقارناً للنعم ، قال تعالى : ( واشكروا نعمة الله ) 114/النحل ، وأمّا طريقة الشكر فمما يستفاد من الروايات أنها طريقتان : الأولى : الشكر بالمعرفة ، وهو أن تعرف أن هذه النعمة من الله تعالى وهو الذي منّ بها عليك ، ففي الحديث : أوحى الله إلى داود (ع) : ياداود اشكرني . قال : كيف أشكرك والشكر من نعمتك ، تستحق عليه شكراً . قال الله جلّ جلاله : ياداود رضيت بهذا الاعتراف منك شكراً .وقد تحققت هذه الطريقة في الشكر من خلال الآية الأولى ، في قوله : ( إنّا أعطيناك ) ، لمعرفة أن النعمة من عنده تعالى .وأمّا الطريقة الثانية في الشكر فهي بأداء الشكر ، إما بقول ( شكراً لله ) أو بسجدتي الشكر ، أو بصلاة الشكر ، وما شابه ذلك ، والصلاة هي تجميعاً لكل تلك الأدوات ، فلذلك جاءت الآية ( فصلّ لربك ) تعبيراً عن الشكر ، وفي قوله تعالى : ( وانحر ) وهو رفع اليدين إلى المنحر في حال التكبير في الصلاة ، زينة للشكر و إضفاء ذوق جمالي ، وأدب رفيع ، فالشكر إذا كان مبتوراً وجافّا من أي لياقة وأدب فقد لا يؤدّي رسالته ولا يحقق هدفه ، فالنحر في صلاة الشكر هي ذلك الجانب المهمّ ، وهي زينة الشكر ، ففي الحديث : ( لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين إلى المنحر حال التكبير ) .(3) لا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا :الحكم الموضوعي الذي يتوخى الصواب في مجمل القضايا الحياتية ، لابد أن يبتعد عن الرواسب النفسية والأحقاد التي يكنّها إلى أحد طرفي القضية التي سيصدر الحكم فيها ، لكي لا يحمله ذلك على التحامل وبالتالي الوصول إلى النتيجة الخاطئة ، ففي قوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) ، بيان للسبب الذي دعى العاص بن وائل لوصف الرسول (ص) بهذه الصفة ، فالشانئ هو المبغض ، وقد قال تعالى في سورة المائدة : ( و لا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) . وهذا الذي يتجرأ على رسول الله (ص) بهذه الصورة لهو ( الأبتر ) المنقطع عنه كل خير ، جزاء لما اقترفت يداه .بصائر للحياة1/ إن ذرية رسول الله (ص) تدخل ضمن دائرة الخير والنعم الإلهية المتميزة ، فلابد أن نحترمها ونحفظ الرسول في ولده .2/ علينا أن نهتمّ بشكرنا لله وللآخرين ، فليكن شكرنا جميلاً ومؤدّباً ، تقديراً للنعمة والمنعم .3/ الترسبات النفسية والأحقاد من العوامل التي تؤدّي إلى الخطأ في الأفكار وفي الحكم ، فعلينا أن نتجرّد منها في عملية التفكير و في الحكم على أي شيء .