القرآن كتابنا


انطلاقاً من شعار نحمله إلى حين السؤال العظيم من الملكين، فنقول: (القرآن كتابنا).فهذا الكتاب هو كتاب الله الذي جمع الهداية والعلم والأخلاق، وكثيراً من الأمور العقائدية وغيرها، لابدَّ أنْ يكون في قلوبنا وعقولنا وليس في بيوتنا أو مكتباتنا فقط.وقد بيَّنت سيدتنا الزهراء) سلامُ الله عليها) في خطبتها المعاني الجليلة للقرآن بقولها: (للهِ فيكم عهدٌ قدَّمَهُ إليكم وبقيَّة استخلفها عليكم: كتاب الله بينِّة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان متجلية ظواهره، مديم للبرية استماعه، وقائدا إلى الرضوان إتباعه، ومؤديا إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومحارمه المحرَّمة، وفضائله المدوَّنة، وجملة الكافية، ورخصه الموهوبة، وشرائطه المكتوبة، وبيناته الجالية).كيف ننظر إلى كتابنا وماذا نفهم منه؟ هل نقدِّسه أم لا نبالي به؟ هل نتهيّب لسماعه أم تشغلنا الأحاديث الجانبية عنه؟ وكم عبارة نفقه حين قراءته؟ ولِما لا نبحث في بعض أسراره؟ هل هو يخاطب أناساً غيرنا؟ تُرى ماذا لو اشتكى علينا يوم القيامة أمام المحكمة الإلهية الكبرى، بأنّنا ضيعناه وهجرناه ولم نبالِ به؟ ورد عن محمد بن موسى الرازي، عن أبيه قال: ذكر الرضا (عليه السلام) يومًا القرآن فعظَّم الحجَّة فيه والآية المعجزة في نظمه، فقال:)هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدي إلى الجنة، والمنجى من النار، لا يخلق من الأزمنة، ولا يغثّ على الألسنة؛ لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، وحجَّة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).وإذا أجرينا مقارنة بين ما أحدثته رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) من تغيير للواقع وفي ضمنها القرآن الكريم الذي غيَّر السلوكيات في المجتمع الذي كان أفراده يعبدون حجراً ثمَّ يحملوه معهم حتى يلقوه ويعبدون غيره وهكذا.فانظر إلى القرآن إلى ماذا دعا وكيف قلب المعادلات في الأمة.ونحن نرفع شعاراً هاماً هو (القرآن كتابي) هل شعرْنا يوماً أنَّ القرآن يقول لنا: (الر * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، سورة إبراهيم: آية1. فها هو الكتاب الذي يخرجنا من ظلمات الشك والوهم والحيرة ونحوها إلى صراط العزيز الحميد.والمشكلة أننا لا نُصغي إلى القرآن وهو ينادينا: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(، الأعراف: 204.والاستماع هو أنْ تعطي له قلبك وذهنك ووعيك، والإنصات هو السكوت بين الفواصل وعدم الانشغال بالحديث، أي الإصغاء التام، فمن يستمع ويصغِ قد تناله الرحمة ويكون محطة لرحمة المولى سبحانه، والعكس بالعكس تماماً.ولأنَّ الاستماع فيه مصلحة سلوكية وفوائد وأثر وضعي يبعث السكينة والاطمئنان في القلب كما يهيئ النفس للعمل، فإنه كذلك يكسب رضا الرب ورضوانه والجنَّة.والسؤال هنا: ما هو الجانب العملي في القرآن الذي نسير عليه ونطبقه في شؤوننا الحياتية الدنيوية ونجعله ذخراً لحياتنا الأخروية؟وفي قراءتك للقرآن تشعر أنه يخاطب روحك وعقلك فلو تأملّنا به نجد:-الهداية، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، الإسراء:9. )لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، النور:46.-الموعظة، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)، النور: 34. (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، الزمر: 23.-المثل للعبرة، قال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، الزمر: 27.)كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا)، طه: 99. )وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، الكهف: 54. -فلاح الإنسان قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، البقرة:1-5. -الدعوة إلى الإيمان: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، البقرة: 121.فهي دعوة كما ترى إلى الإيمان والتلاوة وعدم الإعراض؛ كي لا نكون من الخاسرين.لغة القرآن:إنَّ لغة القرآن هي العربية قال تعالى:)وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، النحل: 103. )وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر: 27- 28.والمهم أن نفقهه سواء كان عربيا أو غيره ولا نضيّع وقتنا في الجزئيات البعيدة عن محتواه قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)، فصلت: 44.لكي نكون ممن وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) لسلمان المحمدي بقوله: يا سلمان المؤمن إذا قرأ القرآن فتح الله عليه أبواب الرحمة، وخلق الله بكل حرف يخرج من فمه ملكا يسبح له إلى يوم القيامة، وإنه ليس شيء بعد تعلُّم العلم أحب إلى الله من قراءة القرآن، وإنَّ أكرم العباد إلى الله بعد الأنبياء العلماء ثمَّ حملة القرآن يخرجون من الدنيا كما يخرج الأنبياء ويحشرون من قبورهم مع الأنبياء، ويمرون على الصراط مع الأنبياء، ويأخذون ثواب الأنبياء فطوبى لطالب العلم، وحامل القرآن، مما لهم عند الله من الكرامة والشرف. (اللهم اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن بدني، ونور بالقرآن بصري، وأطلق بالقرآن لساني، وأعني عليه ما أبقيتني، يا أرحم الراحمين).