رؤية قرآنية في الإعلام والثقافة


مدخل أولي:إن عملية تسلل المعلومات والأنباء الخاطئة والكاذبة إلى عقل الإنسان، وإلى المجتمع مسألة مهمة جداً، بل وخطيرة، لأنها تدخل في التكوين الفكري للإنسان لتؤسس للقاعدة التي يبني عليها أفكاره وآراءه ومتبنياته، وبالتالي فإنها تؤثر على عالم الفعل فترسم المواقف والاتجاهات، فالعلاقة وثيقة بين الإعلام والثقافة من جهة تأثير الأول في الثاني.ولأن هناك حساسية في المواقف تجاه الأشياء والناس، حيث يقع الظلم والخطأ على الطرف الآخر، تأتي أهمية معالجة توافد المعلومات للعقل وللمجتمع، ولكي لا يقع العقل فريسة الجهل والتعميه والتظليل.وتزداد أهمية هذا الموضوع في العصر الراهن لازدياد المنافذ الإعلامية وبساطة انتشارها والحصول عليها، لذا ينبغي أن ننظر بشيء من الدقة والأهمية عبر التعمق في الآيات التي تتحدّث عن هذا الموضوع، وأن نتواصل مع تسلسل الآيات، لتعطينا البصائر والنور في هذا الموضوع، الذي باتت فيه السلطة الإعلامية سلطة أولى وليست رابعةً كما يدّعى.ويمكن أن ندخل في موضوع الإعلام من خلال قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ?[1]. ونتوّجه لتفكيك الآية ومتابعة دلالاتها القرآنية في سائر الآيات الكريمة في القرآن الكريم، لتعطينا بصائر، حول المسألة الإعلامية، لتؤسس لقواعد عامّة يمكن الاستفادة منها في أي وقت وأي مكان، باعتبار أن القرآن الكريم خالد لكافة العصور. من هو الفاسق؟ونحن في عالم الآلات حيث نستقبل المعلومة عن طريق الأجهزة المتوافرة لدينا كالتلفزيون، وشبكة الإنترنت، والراديو، والصحف والمجلاّت، فإننا ينبغي أن نحدد مواصفات العمل لكي نطبقه على المسمى، وبالطبع فإن الآلات لا تنطق بنفسها ولا توجه بذاتها وإنما يقوم بتسخيرها الإنسان، والذي يتمثل في جهة أو شركة أو دولة أو منظومة ثقافية معينة، يسخرونها في سبيل تحقيق مآربهم.فعندما نتعرف على المواصفات المتعددة والمصاديق المختلفة للفاسق من خلال القرآن، ينبغي أن نطبقها على الواقع لنتعرف بها على الأشياء، وليكون القرآن بحق نوراً نسعى به في الناس والحياة.وقد جاءت الآية لتعبر عن تلك الجهة التي ينبغي الحذر منها بخصوص المعلومة بالفاسق، ويمكن هنا أن يكون الفاسق مفهوماً عاماً يشمل عدّة مصاديق تختلف في المسمّى، ولكنها تتحد في العمل وطبيعة المآرب، وعندما نكتشف الفاسق عبر التسلسل القرآني، فلابد أن نأخذ الحيطة منه كما دعت إليه الآية الكريمة عبر فعل التحقّق والتبيّن الذي سنأتي على ذكره.ومن خلال متابعة القرآن الكريم في مواصفات الفاسق، نكتشف مجموعة منها، وهي:1- الفاسق هو المنافق:يقول تعالى: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?[2]، واستفادة من هذه الحقيقة القرآنية التي عرّفت المنافق بأنه هو الفاسق، والذي يستلزم أن النتيجة العكسية صحيحة لقانون التساوي، فإن الفاسق هو المنافق كذلك، وعليه ينبغي أن نتحرّى المواصفات التي يتصف بها ذلك المنافق، وهو إحدى الجهات التي ينبغي أن نقف أمامها موقف الحذر من المعلومة التي يبثّها وينشرها بين الناس، لأن الآية التي تلوناها في البداية ستشمله، أي أن المنافق إذا جاء بنبأ فينبغي أن نتبيّن منه ونتحقّق من مصداقيته، ومن خلال التتبع القرآني لمفردة المنافق سيتضح لنا سبب هذا الحذر والدوافع التي تجعل المنافق يدلي بمعلومات خاطئة وينشرها في المجتمع.النفاق مرض قلبي، حيث يقول تعالى: ?يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم?[3]. فالصفة النفاقية محلها القلب، بحيث تستتر عن المعاينة، ولذلك فإنهم يحذرون من أن تظهر للعيان تلك الصفات وهي التي تشكّل الدوافع لأعمالهم، إذن هم يقولون ويظهرون خلاف ما يبطنون، وعندما يكون هذا الشخص أداة إعلامية فهو بلا شك سيقوم بذات الفعل.ولأن المنافقين لا يصدقون قال عنهم الله تعالى: ?وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ?[4]. وصفة الكذب هي التي تحرّك من يتحرّى الحقيقة للتثبّت، وهي التي تدفع به إلى رفض المعلومة والنبأ الذي تنشره هذه الجهة، لما يترتّب عليه من أداء مخالف للواقع، فمن يبني أفعاله ومواقفه على معلومات كاذبة فبالضرورة سينتهي للنتائج الكاذبة والمخالفة للواقع، وهذا هو الفشل بعينه، وهو التأخّر والتخلّف.ولذلك فإن الله عز وجل يقول محذّراً من أن يمتثل الإنسان لما يقوله المنافقون، وناهياً عن تحويل المعلومات التي تنبعث منهم إلى أدوات لصناعة الفكرة أو الفعل: ?وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ?[5].علامات يعرف بها المنافق:من المسائل المهمة في هذه الجهة الإعلامية التي تجسّدها صفة النفاق هي أنها تقوم بدورها من داخل المجتمع الإسلامي، بل وهي جزء منه وتحاول أن تتلوّن بلونه، فينبغي أن نتعرّف على العلامات المائزة، لكي نقوم بتشخيصها على نحو الدقة، ومن تلك الصفات التي يتصف بها المنافق أنه:أ - لا يتحمل الأذى في سبيل الله: قال تعالى: ?هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا(11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا?[6]. فلا تجدهم يصبرون على الأذى في جنّب الله، وسرعان ما ينفصلون ويتبرؤون من تلك الحالة التي يحاولون أن يكونوا عليها، وهي الاندماج في المجتمع ليكونوا كسائر الأفراد.ب - يلجأون إلى المصلحة والمكاسب من النصر مع فرارهم من الصعوبات:وذلك في قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ?[7]. فهذه صفة أخرى تكتشف عبر منطقهم في التعامل مع الصعوبات، فإن الإنسان المؤمن يجعل عذاب الله مانعاً له من التجاوز، والمنافق يسحب هذا المنطق ليجعل فتنة الناس مانعة له من أداء دوره في حالة الأذى، وعندما يهبط النصر من عند الله على المؤمنين، فإنه يواصل منطقه المغلوط، ليدّعي أنه مع المؤمنين ويبرر موقفه السابق بأنه نابع من مصلحة ونية خير.ج - ديدنهم الاستهزاء والسخرية، خصوصاً من الله والرسول وآيات الله:قال تعالى: ?يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ(64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ?[8]..ويسخرون من المؤمنين عندما يفعلون الخير، يقول تعالى عن المنافقين: ?الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[9]..د - لا يتخذون من حكم الله حكماً تطبيقياً:قال تعالى: ?أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا(60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا(61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا?[10]. فهم لا يتخذون من حكم الله حكماً تطبيقياً، و يتظاهرون بالإيمان، ويرجعون في محاكماتهم وفصل دعواهم إلى الطغاة ويبررون ذلك بأنهم يقومون بعملية توفيقية، بين مقاصدهم وبين ضرورات الواقع، لكي يقنعوا المؤمنين بأن موقفهم له تبرير ديني، وهو ليس كذلك.هـ - أعمالهم ريائية ومظهرية، ويتثاقلون عن العبادات:قال تعالى عنهم: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً?[11]. وهذه المظاهر الخارجية ما هي إلا إفرازات حالة النفاق ذاتها التي محلها القلب، فتتجسّد في الواقع على شكل التثاقل في العبادات التي هي هدف خلق الإنسان وهي التي تربط بين العبد وربه، ولأن للعبادات تلك الأهمية في أن يكون الإنسان متصلاً بالله فالمنافق يلجأ للتظاهر بأنه يؤديها أمام المجتمع، لكي يحسب منه وبالتالي فإن رسالته التي يريد بثها ستلقى طريقها نحو النجاح.و- يخلفون الوعد والعهد، ويمارسون البخل:يقول تعالى: ?وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ(75) فَلَمَّآ آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ(76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ?[12]، ومن الصفات التي تكون ظاهرة عند المنافق هي أنه لا يفي بعهد أو وعد، خصوصاً فيما يرتبط بالمعاملات المالية، بل ولا يلتزم بأداء الحقوق الإلهية عليه كالصدقات والزكاة والخمس.ز- يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف: خلافاً للقاعدة التي سنّها الله عز وجل للمؤمنين بأن أمرهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، فإن المنافقين على النقيض من ذلك، يقول تعالى: ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?[13].فنلاحظ في صفات المنافقين أمرين مهمين يتصلان بالعمل الإعلامي، هما:الأمر الأول: أنهم غير صادقين، ويمارسون الكذب والافتراء، وهذا ما يتجنبه الإنسان المؤمن الذي يريد لأفكاره ومواقفه أن تؤسس على قاعدة متينة، فالمعلومة هي الانطلاقة لتأسيس الفكرة، وعندما تكون الانطلاقة خاطئة، فلا شك في أن النتيجة ستكون كذلك.الأمر الثاني: أنهم لا يكتفون ببث المعلومات الخاطئة والكاذبة، بل يسعون لرسم الثقافة وتكوينها وبث ثقافة مناقضة للقيم الإسلامية، حيث يقلبون المعادلة التي تقول:?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر?، فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وهذه العملية هي صياغة للثقافة، وهو الأمر الأخطر.2- المصداق الآخر للفاسق هم الكفار من أهل الكتاب:ومن المصاديق التي تنتج عن الفاسق، وهي الجهة التي تقوم بالعمل الإعلامي المضلل والخاطئ، هم فئة من الكفّار من أهل الكتاب، وبالطبع فإننا لا نقصد بذلك جميع أهل الكتاب، لأن فيهم من يتصف بصفة الصدق والأمانة، يقول عنهم الله عزّ وجل: ?وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ?[14]. فلسنا بصدد تأسيس قاعدة تعم أهل الكتاب، وإنما نبيّن أن مصداقاً من مصاديق الفاسق الذي يمثّل جهة إعلامية مضللة، يتجسّد في مجموعة من أهل الكتاب لهم مآرب تتناسب مع انتمائهم العَقَدِي، كما سيتضح لنا من خلال تتابع الآيات القرآنية. يقول تعالى موضحاً مصداقاً من مصاديق الفاسق الذي نقرؤه في آية التثبّت مصدراً إعلامياً ينبغي الحذر منه، يقول جل شأنه: ?وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?[15].فمن لم يحكم بما أنزل الله هم الفاسقون، وأولئك هم الكفار كما هي معطيات آية أخرى حيث يقول تعالى: ?وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ?[16]. وصفة الكفر تشمل جميع من ينكر الله ومن يتخذ معه شريكاً، وأهل الكتاب هم المصداق الأجلى، حيث يقول عز وجل: ?لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ?[17] وكذلك قال تعالى: ?لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ?[18]. وهم المسيحيون ويتبعهم اليهود، لأنهم أهل كتاب، بل هم أشد عداوة مع المتعصبين من المسيحيين، الذين تنكّروا للتعاليم المسيحية، كالعلم والزهد والتواضع للحق.. يقول تعالى: ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ?[19].لماذا الحذر؟قال تعالى: ?أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ?[20]، فالإنسان غير المؤمن ينبغي أن نحذر ونتبين من تصريحاته وإصداره للمعلومات، وإذا أردنا أن نعرف سبب الحذر من هذه المصادر فعلينا أن نعرف مواصفات الضد، وهو المؤمن الذي يردعه إيمانه عن قول الكذب، ويدفعه لقول الصدق في الحديث، هو ذلك الذي عبّرت عنه الآيات من سورة الحجرات حيث قال تعالى: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ?[21].وصفت الآية المؤمنين بالصادقين، لأنهم يمتلكون إيماناً يحفزهم إلى الصدق، ويدفعهم إلى قول الحقائق.فإن من يُشيع الأكاذيب مع الذي يشيع الحقائق ?لاَّ يَسْتَوُونَ?، فلا يمكن أن نساوي بين المؤمن، وغيره في استقبال الأنباء. وهذا هو داعي الحذر الذي يفضي إلى ضرورة التبيّن من حقيقة ما تبثه تلك الجهات الإعلامية.العلاقة بين المنافق والمشرك:بعد أن عرفنا أن مفهوم الفاسق واسع بحيث يشتمل على الكثير من الجهات الإعلامية، التي ينبغي أن نتبين مما تأتي به من معلومات، وقد تمثل في المنافقين، والكفار من أهل الكتاب.ففي التصنيف يمكن أن نصنف جهتين إعلاميتين هما اللتان تقومان بنفس الفعل، فما هي العلاقة التي تجمع تلك الجهتين الإعلاميتين؟الجهة الأولى: المشركون. الجهة الثانية: المنافقون. نلاحظ أن الجهتين بالنسبة للموقعية من المسلمين تختلفان، إذ المنافق يعيش في العمق المسلم أي في المجتمع الإسلامي، ويدعي أنه ينتسب إليه، والمشرك بعيد ومستقل، حيث له معتقداته المغايرة، فهو يعتقد بالمسيحية وأن الله ثالث ثلاثة، ولكن العمل والهدف متحد، وهم الذين يمتلكون في العصر الراهن زمام الإعلام، حيث يقومون بتوجيهه نحو ما يريدون.والعلاقة تكمن في التالي:1- المنافق تابع للمشرك:قال تعالى: ?بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيماً(138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِله جَمِيعًا?[22].. إن المنافق لا يشكل استقلالية فكرية، ولا حتى عملية، فهو جهة تابعة لجهة أخرى أكبر وأقوى منه وهي جهة الكافرين، ولذلك فإن السياسات بعد ذلك ستكون متشابهة وذات أصول متحدّة، ولكن بمسميات مختلفة تقتضيها طبيعة المكان.2- المنافقون يرون أن الكفّار عندهم العزة:فالآية السابقة تبين أن المنافقين وهم الذين يدّعون الانتماء للمجتمع الإسلامي يرون أن العزة عند الكافرين، ولذلك فإنهم يلجأون لاكتسابها منهم، ووفق آلياتهم التي يدعون أنها جعلتهم أعزّة ومتقدمين، فهم (يبتغونها) عندهم، ويتخذونهم أولياء، ولا يبتغون العزّة من الله عز وجل، ولا يكتفون بذلك بل يلجؤون لاتهام الثقافة الإسلامية والإلهية بأنها السبب في الانحطاط والذلة للمسلمين، يقول تعالى عن المنافقين: ?يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ?[23].من هنا ستكون الإسقاطات واضحة للآيات القرآنية على الواقع الراهن، نترك للقارئ أن يطابق بين الحقائق القرآنية والواقع الخارجي. ومن خلال هذا التزاوج بين الآيات القرآنية، يمكن أن ننطلق بمجموعة من القواعد العامة لفهم المسألة الإعلامية، وهي تمثل مدخلاً أولياً لاستنتاج السياسات الإعلامية والمناهج التي يتبعها الإعلام المظلل لإشاعة أنباء كاذبة والترويج لثقافة نقيضة للثقافة الإسلامية، نأمل أن نوفق إلى هذه الخطوة في وقت لاحق 1 -------------------------------------------------------------------------------- [1] سورة الحجرات، الآية[2] سورة التوبة، الآية 17. [3] سورة التوبة، الآية 64. [4] سورة المنافقون، الآية 1.[5] سورة الأحزاب، الآية 48.[6] سورة الأحزاب، الآية 11 - 12.[7] سورة العنكبوت، الآية 10 - 11. [8] سورة التوبة، الآية 64 - 65. [9] سورة التوبة، الآية 79. [10] سورة النساء، الآية 60 - 62. [11] سورة النساء، الآية 142. [12] سورة التوبة، الآية 75 - 76. [13] سورة التوبة، الآية 67.[14] سورة آل عمران، الآية 75. [15] سورة المائدة، الآية 47. [16] سورة المائدة، الآية 44. [17] الآية 17 والآية 72 من سورة المائدة [مكررة]. [18] سورة المائدة، الآية 73. [19] سورة المائدة، الآية 82. [20] سورة السجدة، الآية 18. [21] سورة الحجرات، الآية 15 [22] سورة النساء، الآية 13. [23] سورة المنافقون، الآية 8-9.