علم النبي (ص) قبل البعثة وبعدها


فقد صرحت الروايات أن النبي (ص)، قد كان نبياً منذ بدو سنه, وقال الله تعالى عن عيسى (ع): ?قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً?(1).وقال عن يحيى (ع): ?وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً?(2).فإذا انضم إلى ذلك ما ورد في الروايات الشريفة الكثيرة، ومنها ما هو صحيح السند كرواية يزيد الكناسي في الكافي، عن أن الله تعالى لم يعط نبياً فضيلة ولا كرامة، ولا معجزة إلا أعطاها نبينا الأكرم (ص).. فإن النتيجة تكون هي أن الله سبحانه قد أعطى محمداً (ص) النبوة منذ ولادته، وأعطاه الحكم صبياً(3).وقد أيد المجلسي (رحمه الله) هذا بوجوه كثيرة فليراجع(4).وهناك روايات كثيرة صرحت بنبوته (ص)، قبل بعثته للناس وصيرورته رسولاً لهم حينما بلغ سن الأربعين، وقد أشار إليها العلامة المجلسي (رحمه الله).هذا بالإضافة إلى الحديث الذي روي عند السنة والشيعة، من أنه (ص) قال: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين(5). فإذا ثبت ذلك بحجة قاطعة للعذر فإنه يؤخذ بها.. لأن هذا الأمر هو من الأمور الغيبية التي تحتاج إلى النقل عن المعصوم..وبعدما تقدم نقول:إنه (ص): إذا كان نبياً منذ ولادته، فلا بد أن يمتلك علوم النبوة..وإذا كان (ص)، كما دلت عليه الروايات قد خلق قبل خلق الخلق بألف دهر، ثم أشهده الله تعالى خلق كل شيء..وإذا كانت الزهراء (ع) كذلك أيضاً.. وكانت تحدث أمها وهي في بطنها وتواسيها.. فإنها إنما كانت تحدثها بأمور معقولة، ومقبولة..فإذا كانت الزهراء (ع) كذلك فذلك يدل على أنها لم يحجبها عالم الجنينية عن معارفها الإلهية، ولا كان يمنعها من الإشراف على عوالم أوسع، وأرقى، وأكمل، وأتم..فما ظنك بالرسول الخاتم، وأكرم، وأعظم ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى الأئمة الطاهرين..نعم.. ربما يقال: إنه (ص) كان في حالة ازدياد مستمر.. من حيث المعرفة بأسرار الملكوت الإلهي.. وقد كان الإسراء والمعراج من أجل أن يريه الله سبحانه من آياته..وذلك لينال المزيد من التشريف والتكريم.. ولم يكن (ص) ليستوي يوماه، بل هو في حالة ازدياد مستمر، وكدح متواصل إلى الله سبحانه.. وينال من منازل القرب ما لم ينله أحد سواه من الأنبياء والمرسلين..وكلنا يعلم أن الأنبياء والأئمة تتفاوت منازلهم، بحسب سمو معارفهم الإلهية التي تسمو بها نفوسهم، وقلوبهم وتزكو بها أعمالهم، وإلا فإن جميع الأنبياء لا يقصرون في العبادة، ولا يقدمون على أي شيء يبعدهم أو يحجبهم عن الله بأية مرتبة أو مقدار كان ذلك، فتفاضلهم إنما يكون بما ذكرناه وهذا هو السبب أيضاً في تفضيل أئمتنا عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم، باستثناء النبي محمد (ص)..والحمد لله رب العالمين..1- سورة مريم الآيتان 29ـ30.2- سورة مريم 12.3- البحار ج18 ص278 و279.4- البحار ج18 ص277/281.5- الغدير ج9 ص287.