الدروس المستفادة من حادثة النملة مع سليمان


قال تعالى: النمل : 18( حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى‏ وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُون‏) .

 1- إن النملة عظيمة في عالمها كما إن سليمان عظيم في عالمه وإنها تعدل في الرعية وتحرص على مصالح أبناء جنسها وتؤدي حق الولاية كما كان سليمان وغيره من ولاة الحق والعدل حيث إن للحيوانات والحشرات عالمها كما أن للبشر عوالم وأممًا، وهذا ما ذكره القرآن في قوله تعالى: الأنعام : 38 (وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُم‏).

2- إن النظام  الدقيق يعم ويشمل جميع الكائنات من أصغر صغير كالنملة إلى أكبر كبيركالمجرّات : وهذا النظام الدقيق ، والتدبير العجيب يدل على وجود مدبر قادر وعليم قال تعالى: (وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) - 2 الفرقان . وقال تعالى: القمر : 49( إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَر) .

3- إن الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين لا يختص بالإنسان فقط ، بل يشمل الحيوانات والطيور والحشرات. فهذه النملة الصغيرة حين أحست بالخطر على جماعتها، وأبناء جنسها وقفت تحذرهم وتقول : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ). وقد أثبت العلم الحديث أن كثيرا من الحيوانات  تدافع عن نفسها وعن غيرها إذا أحست  بالخطر.

4- إن اللَّه سبحانه إذا أنعم على عبد من عباده بنعمة كالعلم أو السلطان وغيره فعليه أن يشكر اللّه ويتواضع له و للناس ، ولا يأخذه العجب  والتكبر، وأن يكون على يقين بأن هذه النعمة قد أنعم اللّه بمثلها وبخير منها على أضعف الكائنات كالنملة الصغيرة ، وأن الإنسان ليس هو الكائن المدلل الذي خصه اللّه بفضله ورحمته دون الخلق أجمعين. وقد أثبت العلم الحديث أن هناك أكوانا أعظم من هذا الكون الذي نراه، وأنه لا أحد يستطيع معرفة حقيقتها إلا خالق الكائنات، وأن الإنسان بالنسبة إليها ليس شيئا مذكورا. ويومئ إلى ذلك قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) 57 غافر.
صفة عجيب خلق أصناف من الحيوان:

وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَ جَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَ لَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَ الْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ سَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَ لَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَ لَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَ لَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَ الْحَجَرِ الْجَامِسِ وَ لَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا وَ فِي عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا وَ مَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَ لَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ غَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَ مَا الْجَلِيلُ وَ اللَّطِيفُ وَ الثَّقِيلُ وَ الْخَفِيفُ وَ الْقَوِيُّ وَ الضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاء.