الإيمان بالقرآن الكريم


الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي


لا يخفى أن القرآن الكريم هو المعجز الذي حمله رسول الله إلى خلقة، فآمن به قوم وجحد آخرون، واختلف المؤمنون فيما بينهم، فمهم من آمن بالقرآن كونه دعوة الله ورسوله، ومنهم من آمن به لشدة بلاغته وفصاحته، ومنهم من آمن به لتناسقه وتجانس آياته، وقد نُقل أن أعرابيا استمع إلى بعض الآيات فوقع على الارض ساجداً وحينما سئل عن علة سجوده: قال سجدت لبلاغة هذه الكلمات ولا أتصور صدورها عن بشر . والماهية القرآنية حاكمة على الفطرة السليمة فتنجذب إليها وتنقاد لسلاستها الظاهرة فيستأنس بها كل سامع لها، ولا يتنافر منها أصحاب الرؤية العميقة الذين يشتغلون بالوقوف على ما بين سطورها، فيكتشفون يوماً بعد آخر أن هذا القرآن جديد مع كل طارق، وقديم استوعب كل حادث، فالعمق الموضوعي والسرد التاريخي الذي تبناه القرآن كشف عن هويته وحقيقته التي حيَّرت الألباب، ووقفت القلوب والعقول لتتخيل قدرتها وتحاول أن تستنير بهديها في رسم معالم الآخرة قبل الدنيا، فمسيرة الأحداث التي تتناولها تتكامل من حيث النظر إلى مجموعها، ولا يضرها عند الوقوف على كل جزء بذاته. فأما المؤمنون به باعتباره معجزة الله ورسوله، وهم الموقنون بأن ما يصدر عن النبيِّ صلى الله عليه وآله صادق مصدَّق، ولم يساورهم الشك يوما في ذلك، وفي مقدمة هؤلاء كان أمير المؤمنين عيه السلام، فقد صاحب الوحي عند نزول القرآن واختلطت الآيات بلحمه ودمه، حتى بات يعيشها مع كل حركة وسكون، فيصفه صلى الله عليه وآله بالقرآن الناطق، وسار على ذلك المعصومون الذين حباهم الله تعالى بدرجة كبيرة من اليقين والإيمان فلم يزدهم كشف الغطاء إيماناً على إيمانهم، وكانوا خير مثال للقرآن ومنهجه ورؤيته. وأما المؤمنون بالقرآن لبلاغته وفصاحته، فهؤلاء أكثر العرب والمسلمين الذين عاصروا نزوله وعايشوا صدوره، وهؤلاء كانوا مع إيمانهم يحاولون في كل مرة أن يشكلوا على القرآن أو ينتقصوا منه خاصة أنهم لم يكونوا بمستوى الوعي الكافي ليستوعبوا حقيقة القرآن ونظامه، وهذا الأمر استلزم وجود المعصوم ليفسر لهم ما خفي عنهم، وهذا التكامل بين المعصوم والقرآن هو تكامل منهجي أشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وآله كما في رواية الثقلين، حيث كشفت الرواية عن العلاقة بين المعصوم والقرآن، وهذه العلاقة من النوع الذي لا ينفك: قال صلى الله عليه وآله: (وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، وهذا الأمر يفسر لنا عدالة الله تعالى في ضرورة وجود المعصوم في كل زمان ومكان يستلزم وجوده نصرة للقرآن. وأما المجموعة الثالثة وهي التي آمنت بالقرآن لما فيه من التناسق والتجانس، فأكثر هؤلاء يتمتعون بالجرس الموسيقي والإيقاع الفني والبعد العلمي، وكانوا بحاجة إلى بعض الإشارات القرآنية تهديهم إلى اليقين به، فجاءت الآيات متناسقة من جهات كثيرة واليوم نشهد الإعجاز العلمي والعددي لكثير من المتواليات القرآنية حتى كشفت عن حيرة العلماء فضلا عن باقي الناس فوقف الكثير مبهوتا لا يدرك فلسفة لها ولا تفسيراً، فكانت الإجابة في روايات أهل البيت عليهم السلام التي جاءت متناسقة هي الأخرى مع القرآن وكاشفة عنه، بشكل يتناسب مع قدسية القرآن ومكانته، ويقطع شكوك المتفلسفين بغير علم ولا هدى. إن المتابع للقرآن وانتصاراته الكثيرة على الرغم من كثرة أعدائه يجد أن بصمة المعصوم ممزوجة بكل نصر للقرآن، وهذا يفسر لنا تأكيد النبيَّ صلى الله عليه وآله على الإيمان بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام وجعله لهم بمستوى واحد فمن لم يؤمن بالقرآن لم يؤمن بأهل البيت عليهم السلام ومن ترك الإيمان بأهل البيت لن يغنيه إيمانه بالقرآن شيئاً، قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منبثا)، إذن فسبيل النجاة هو الإيمان بهما معاً وهما يكملان آحدهما الآخر.