الغدير وما أدراك ما الغدير


الشيخ خير الدين الهادي الشبكي


 

تعددت أعياد المسلمين وتنوعت اعتباراتها ومقاماتها, ونقل في الأثر المبارك أن اليوم الذي لا يعصي العبد فيه الله فهو عيد, ويمكن اعتبار تعلق الأمر هنا بالتوفيق إلى طاعة الله تعالى وتجنب سخطه, وهذا مدعاة للسرور والفخر, ويمكن اعتبار اليوم عيداً إذا كان من معاني العيد الفرح والسرور بذلك. وأما أعياد المسلمين العامة فلكل منها خصوصية ومقام بحسب متعلقه. فالجمعة مثلاً من أعياد المسلمين العامة وهي سيدة الأسبوع وأيامها, حيث يتضاعف فيها الثواب، بل هي عرس الصلاة على محمد وآل محمد؛ لذلك نجد المؤمنين يشتغلون بذكره صلى الله عليه وآله, ويسعون ليلة الجمعة ونهارها بوسيلة المناجاة وبما يزلفهم إلى الله تعالى ومراضيه, وقد ورد عندنا في الروايات برامج منهجية وأعمال خاصة بليلة الجمعة ونهارها, ويكفيها فخراً أن تكون بين الجمعتين كفارة لكل من حضرهما ووعاهما.
وأما عيد الفطر فهو عيد الصائمين, وهو العيد الذي يتحقق بعد جهد جهيد ومشقة وصبر على الصيام والقيام, حيث يتحمل المؤمن شهر الصيام ويكثر من قيام لياليه فيرزقه الله تعالى فرحة العيد الذي يكون أول ثماره المغفرة والقبول عند الله تعالى. وأما عظمة عيد الفطر فيكمن في متعلقه وهو الصوم الواجب الذي لطالما أكدت الشريعة السمحاء على الالتزام بها فهي مدرسة الصبر, ومنزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد, وبذلك يمكن القول أن المؤمن لا يكون دون الصبر, ومدرسته الذي يتعلم منه هو الصوم.
وأما عيد الأضحى المبارك فهو الآخر قد تعلق بواجب من واجبات الإسلام وهو الحج, ولطالما سوَّفه بعضهم وماطل فيه آخرون. حتى قَلَّ الملِّبين وأصبح بعضهم مصداقاً للوعيد الإلهي, حيث قال تعالى في ذلك: (ومن كفر فان الله غنيٌّ عن العالمين), وهذا الوعيد يتضمن دعوة الناس ولو بالترهيب إلى عدم التسويف في أداء فريضة الحجِّ ثم جعل عز وجل ختام الحجِّ عيد الأضحى؛ ليكون بشرى لمن توفق اليها ثم تُعم الفرحة للناس بفوز الحجيج وسرورهم, ففي الحج قبول العبد بعد أن تجرد عن دنياه وانقطع إلى ربه الكريم. فقصد طُرق الوصول إليه بمختلف السبل؛ ليقف ذليلاً بين يدي ربه في عرفات, ثم يقضي ليلته في المزدلفة حيث المحشر الصغير الذي يتساوى فيه العباد فلا رئيس فيه ولا مرؤوس. بل الجميع بذلِّ العبودية إلى الله يتقربون, ومن ثم العروج إلى منى والتشرف بالتبري من الشيطان وجنوده برمي الجمرات, ثم النحر والاستبشار بالقبول والرضا فيكون الأضحى قد حان, وعظمة عيد الأضحى لتعلقه بواجب الحج.
وأما عيد الغدير فهو مختلف عن كل ما سبق؛ لأنه لا يتعلق بالواجبات فحسب؛ بل يتعلق بالأركان, وعلى هذا فمقامه فوق مقام الأعياد, والله تعالى خصه بكثير من الكرامات, ومن أهمها أن الغدير عنوان القبول عند الله لتعلقه بالإمامة. فعمل العامل دون الولاية ناقص والله تعالى لا ينظر إلى كثرة الأعمال بل إلى نوعها. لذلك قال تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملا فجعلناه هباء منثوراً). نعم فالله لا يقبل إلا من المتقين, ولا قيمة للأعمال من دون هوية الولاية؛ لأن الولاية عنوان القبول وبابها, فكما كان آدم عليه السلام باب القبول وخسر إبليس بذلك؛ لأنه تكبر عن طرْق باب آدم, ولم يقبل الله تعالى عبادته التي قيل أنها كانت ستة آلاف عام, وهذه إشارة إلى نوع العبادة وهويتها التي يمكن أن يكون مقبولاً عند الله تعالى, وأن الأعمال ليست بكثرتها إن لم تكن على وفق ما يريده الله تعالى.
وتواترت الروايات في مصادر العامة والخاصة في ذكر عيد الغدير الأغرِّ. وفي بيان فضلها ومكانتها عند الله تعالى, وقد عُرف هذا العيد في الدنيا بيوم الجمع المشهود, وهو الجمع الذي كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله. حيث أمر المسلمين بأن يجتمعوا في منطقة غدير خمِّ وهي منطقة واقعة على بُعْد ثمانية عشر ميلا  من منطقة الجحفة بعد الخروج من مكة المكرمة, فخطب فيهم قولته المشهورة التي نص فيها على خلافة أمير المؤمنين وأمر المسلمين بالمبايعة وتقديم التهنئة لعليٍّ عليه السلام باعتباره خليفة الله ورسوله.
وأما في السماء فاسم عيد الغدير هو يوم العهد المعهود والميثاق المأخوذ وهي إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله قد أخذ المواثيق من الناس على قبول ولاية أمير المؤمنين عليه السلام؛ ليكون الرسول مطمئناً على أمته بعد رحليه إلى جوار ربه الكريم, فيستقيم الأمر لعلي عليه السلام وتستقيم أمور المسلمين بذلك, وقد تعهد سبحانه وتعالى بنفسه بمحاربة من يحارب عيد الغدير من الضالين والمارقين, حيث نُقل أن النعمان بن الحارث الفهري اعترض على النبيِّ صلى الله عليه وآله بعد تنصيب عليِّ عليه السلام أميراً للمؤمنين وسأل الله العذاب, إذ قال تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع , للكافرين ليس له دافع), فخصه الله بالعذاب فقصمه بعد اعتراضه؛ وليكون درساً لكل من يحارب عيد الغدير المبارك.
وأما مكانة هذا العيد فعظيم وكبير ؛ لأنه تعلق بالأركان لا بالواجبات فحسب, وقد تعددت الروايات التي تحدثت عن فضله ومكانته وكرامته عند الفريقين.