انتصار الدم على السيف


 

أعظم انتصارين في الإسلام: 
انتصار النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على ظالميه  وانتصار الحسين (عليه السلام) على قاتليه  وهذه نظرة في فلسفة النهضة الحسينية.
حيث يلاحظ المتأمل في مجريات الأحداث التي سبقت معركة الطف عدة أمور تتبين من مجموعها فلسفة النهضة الحسينية وأسبابها ونتائجها ومنها محاولات إخضاع الإمام الحسين (عليه السلام) لبيعة يزيد وهو ما لا يمكن أن يرضى به الإمام الحسين مهما حصل؛ لعدم وجود الحد الأدنى من المشروعية في قبول البيعة لهذا المتجاهر بالفسق والفجور،  لا سيما وأن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يمثل في وقتها رأس الهرم في عترة النبي وأهل بيته  فكان قبوله بالبيعة ولو تحت الضغط والإكراه سيكون بمثابة غطاء شرعي من أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لشخص لا يعرف أصل الإسلام ولا الإيمان.
ولذلك نسمع في كلمات الحسين (عليه السلام) : *إنّـا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومـختلف الـملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم. ويزيد فاسق فاجر شارب الـخمر قاتل النفس الـمحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله* 

 لذا حاول الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبتعد عن الإشكالات قدر الإمكان، ولم يكن يرغب بإثارة مشكلة بينه وبين الآخرين. ولكن إصرار الطرف الظالم هو الذي جعل الأمور تتفاقم، وكان من الممكن أن تحصل مواجهة في المدينة. فقرر الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة 28 من شهر رجب أو الليلة التي بعدها الخـروج بأهل بـيته من المدينة إلى مكة  و رغم تركه مكانه في المدينة  وذهابه إلى بيت الله الحرام  لم يسلم من مطاردة الظالمين وإمعانهم في إثارة المشاكل وسفك الدماء الطاهرة في أي مكان حتى ولو في بيت الله الحرام.
فاضطر الحسين (عليه وسلام) للخروج من مكة في يوم التروية، أي في يوم  8 من شهر ذي الحجة.  وذلك بعد أن عدل عن الـحج إلى العمرة الـمفردة.  حيث وصلت إليه الأخبار بأن يزيد اللعين قد أمر باغـتياله أينما كان. ولو في داخل الـحرم.
وفي بعض الروايات إنه (عليه السلام) قال لأخيه مـحمد بن الحنفية: (قد خـفت أن يغتالني يزيد بن  معاوية في الـحرم  فأكـون الذي يستبـاح به حرمـة هذا البيت).

 تشير المصادر إلى أنه عندما كان الحسين (عليه السلام) في مكة وصلت إليه كثير من الرسائل تدعوه إلى الثورة  وتبايعه على الولاء والنصرة.
فأرسل الإمام الحسين (عليه السلام) سفيره مسلم  بن عقيل إلى الكوفة  كما في المصادر  وذلك جوابًا على رسائل أهلها إليه (عليه السلام)  التي دعته إلى القدوم لإعلان الثورة بقيادته (عليه السلام) ضد حكام الجور والفساد. وقد كتب (عليه السلام) لهم: (فقد أتتني كتبكم، وفهمت ماذكرتـم من مـحبتكم بقدومي إليكم  وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمي وثـقتي من أهلي  مسلم بن عقيل ليعلم لي كـنه أمركم)، وأمره بأن يستطلع أحوالهم، ويتـثبت من نواياهم.

ورغم  أنه كان عليه السلام مجبرًا على الخروج من المدينة إلا أنه كان يتعامل مع الظروف والأحداث الطارئة على أنها قرائن وعلامات على تنجز تكليف معين في ذمته وفي مسؤوليته كإمام وكممثل لعترة النبي (صلى الله عليه وآله) وذريته.
ولذلك كانت ثورته بالنتيجة تكليف منجز في حقه وفي ظرفه الخاص. و إنه كان يعلم أنه سيتعرض إما للذلة ونعني بها ذلة عنوان الإيمان وأهل الإيمان وإما للقتل  وهو بالتأكيد لن يرضى بهذه الذلة  ولن يقبل بهذا الخنوع  فستكون النتيجة هي الشهادة وهذا هو ما قاله (عليه السلام)  : *ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون* 
 فكانت حركة الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والفساد مبنية على مقدمات صحيحة بكل المقاييس المنطقية والعقلائية. لهذا الإمام الحسين (عليه السلام) انتصر فعلاً وحقق أهدافه من الثورة وأراد بذلك أن يكون لدمائه الطاهرة أثر  يعز  به الدين وأهله وأراد أن تكون تضحياته نصرًا للمبادئ والقيم الإسلامية التي يريدها الله ورسوله.  وكان يشعر بأن هذا هو تكليفه  وكان مؤمنًا بأن هذا هو قدره، فمضى بتكليفه وأدى ما عليه  وهو في أتم الرضا والتسليم لله رب العالمين.