النجاح الاجتماعي



مهدي جعفر صليل - القطيف



     ضمن حدود تفكيره ورؤيته للحياة يسعى الإنسان لتحقيق مصالحه، وصولاً إلى السعادة والنجاح، ولذلك نرى الناس ألواناً شتى في السعي، منهم من يتخذ منحى الاعتزال، ومنهم من يسعى للظهور والشهرة، وآخر يسعى لجمع المال والثروة.

في خضم هذه الاتجاهات المتباينة، تأتي سورة العصر المباركة، لترسم للإنسان(الفرد والمجتمع) خارطة الطريق إلى النجاح والفلاح، بأسلوب مؤثر وخطوات واضحة لا لبس فيها.
قَسَمٌ يعقبه تأكيد بالخسارة، مما يهيئ الإنسان للخروج من هذه الدائرة، التي يخشاها على نفسه، واللطيف في الأمر أن الخروج من حالة الخسارة ينقل الإنسان بشكل تلقائي إلى جو اجتماعي، {آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، للتأكيد على أن النجاح الفردي يتألق حين يكون في نطاق الجماعة، فالإسلام لا يريد من المسلم أن يحقق نجاحه في صومعة، بل يدعوه أن يكون في جماعة المؤمنين.
هكذا يريد الله للإنسان أن يخطط لحياته، كي يحقق النجاح في دنياه وآخرته، من خلال عوامل محددة، تبحر به إلى برِّ الأمان، وتبتعد به عن الخسارة والخسران.
أولاً: وضوح الرؤية.
السورة بحد ذاتها تقدم للإنسان خطة للنجاح، فهي نموذج واضح للرؤية، يجب أن يضعه الإنسان نصب عينيه، يفكر من خلاله، ويُقَوِّمَ سلوكه وفق خطواته.
ثانياً : عامل الزمن 
القسم {وَالْعَصْرِ} يتضمن التأكيد على أهمية المقسم به والمقسم لأجله، فالقسم بالزمن يوضح أهميته وضرورته لتحقيق النجاح والتخلص من الخسارة المحتملة.
فلا يمكن للإنسان أن يحقق أهدافه دون أن يراعي عنصر الوقت، فهو رأس المال الأول،
والظرف لكل عمل، لكن كثيراً من الـمسلمين اليوم يغفلون هذا العنــصر الأساس للنـجاح،
فيستهترون بأوقاتهم وأوقات الآخرين. 
ثالثاً : الإيمان بالله
 يمثل الإيمان بالله تعالى روح الحياة وحقيقتها وجمالها، ومن خلال الإيمان يجد الإنسان لحياته معنى، ولعمله لذة، إذ يشعر أنه بين يدي الخالق العظيم، فيتحرك متوجهاً إلى الله، يحث السير ويترقب الوصول.  
رابعاً : الإنجاز والعمل الصالح.
لا تكاد تقرأ في القرآن الكريم(آَمَنُوا) إلا ومعها(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، فالإيمان بلا عمل جسد ميت لا روح فيه.
فالإيمان الحقيقي يتجلى في حركة الإنسان استجابة لما يعتقد بقلبه، فعن رسول الله(ص) (الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان)، وعنه (ص) الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه)  
خامساً : الشعور الاجتماعي.
قول الله تعالى {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} يكشف عن حالة الحب التي يعيشها المؤمنون، فكلٌ يتمنى الخير لغيره، فيندفع ليسدد خطواته ويقدم له النصيحة، كما يقف معه في حالات الشدة، ليخفف معاناته. 
فالإنسان بحاجة إلى من يعيش معه همومه وتطلعاته، بحيث يذكره إن نسي، ويرفع من معنوياته في حالات الضعف، وحدوث المشاكل، ضمن عملية تفاعلية مشتركة.
ولذا فإن على الإنسان المؤمن أن يحسن اختيار أصحابه، ويخلص لهم في الرأي والمشورة، ويقف إلى جانبهم في حالات المحن والصعوبات، كما يكون مستعداً  لقبول النصيحة، متواضعاً للحق، وهكذا يمكن أن يتحقق النجاح على صعيد الفرد والمجتمع.