(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)



الشيخ خيرالدين الهادي



​واحدة من أبرز الجوانب التي كشفها القرآن الكريم فيما يتعلق بشخصية النبي صلى الله عليه وآله هو البعد الأخلاقي, ولو تأملنا في هذا الجانب من شخصيته صلى الله عليه وآله نجد أن الأخلاق عنده صلى الله عليه وآله ليس في جانب دون آخر؛ بل كل ما يتعلق بشخصيته الكريمة كان ينبض بالأخلاق وحسن السيرة والسريرة حتى قال فيه رب العزة تعالى: (و إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ‏ عَظِيم‏).
​ولرُب سائل يسأل عن علة التركيز على هذا البعد في شخصية النبي صلى الله عليه وآله مع علمنا أن سائر خصائصه تامة كاملة, فقد اختاره الله تعالى ليكون خير خلقه من الأولين والآخرين؛ بل وجعله خاتم أنبيائه فاختزل دعواتهم في دعوته وعلومهم في علمه وسماحتهم وشجاعتهم وحكمتهم وعموم صفاتهم الكريمة في شخصية النبي صلى الله عليه وآله، وزاده على ذلك كله بأن جعله شهيداً عليهم.
​فمن المناسب أن نعلم أن التركيز على البعد الأخلاقي في شخصيته الكريمة كان يتماشى مع الذوق العام لكينونة أفضل الخلق على وجه المعمورة؛ باعتبار أن الله تعالى خلق الإنسان وجعله ضمن أبعاد كثيرة, وهذه الأبعاد في حياة كل الناس تتحلى بالذوق الأخلاقي وتتعرى دونه, فكان لزاماً على المختار أن يكون مثلاً أعلى في تجسيد هذا البعد وفي كل الاتجاهات والأحوال التي قد يمر بها فرد من المجتمع, سواء في السلم أو في الحرب أو في العمل أو في أوقات راحته وفراغه؛ بل في أموره التعبدية أيضا, فنحتاج إلى الأخلاق في الصلاة والزكاة والحج والصوم وسائر الطاعات, ونحتاج إلى الأخلاق في الإصلاح ومكافحة الفساد ومواجهة الأعداء وفن التعامل مع الآخر سواء المعاند أو الموافق.
​إن التأكيد على الجانب الأخلاقي في شخصيته صلى الله عليه وآله هي دعوة مستبطنة للاقتداء به, وزيادة على ذلك فقد صرَّح القرآن باتباعه والسير على هديه, إذ قال تعالى: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة), فالجميع من المسلمين والمؤمنين مدعوون إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله, والعمل في طاعته, وأن نكون على قدر المسؤولية في الدعوة إلى نبوته, والتمسك بمبادئه التي جاهد من أجلها فبلغ رتب الكمال ليكون رحمة للعالمين فقال فيه الله تعالى: (وَ ما أرْسَلْناكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمين‏), وهذه الرحمة الإلهية ليست خاصة بقوم دون غيرهم, وإن كان توجه الناس إلى هذه الرحمة نسبياً؛ بل البعض ما زال يسيء إليه من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم, ويكفيه فخراً معرفة ربه به ووصفه البليغ له بقوله تعالى: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ‏ عَلَيْكُمْ‏ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيم)‏