علاقتنا بكتاب الله


الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي



​تتباين العلاقات الخاصة والعامة بيننا وبين ما يدور حولنا من الأشخاص والطقوس والمقدسات وغيرها, وعلى درجة القرب البيني يترتب حجم وثاقة العلاقة وضعفها, فبعض الأشخاص نحتاج رؤيتهم في كل يوم وبعضهم لا نحب رؤيتهم في العمر مرة؛ بل نحاول الابتعاد عنهم, وهكذا في علاقتنا مع  ما يحيط بنا مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هناك علاقات واجبة وعلاقات مستحبة, ومن ضمن العلاقات التي ينبغي على المسلمين جميعاً وعلى المؤمنين على وجه الخصوص تنظيمها علاقتنا بكتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم قراءة وتدبراً وحفظاً.
​أما قراءة القرآن فقد دلت الروايات الشريفة التي نقلت عن النبي صلى الله عليه وآله على أهميتها وضرورتها, فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (مَنْ‏ قَرَأَ الْقُرْآنَ‏ وَ هُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ الْقُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ وَ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَ كَانَ الْقُرْآنُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة...), فما أجملها من حياة حينما يختلط القرآن بلحمنا ودمنا, ونكون مع السفرة الكرام البررة, ليكون القرآن مانعاً عنا في زحمة الاهوال ودافعاً منتصراً لنا, ومما زاد على ذلك فقد جاء فيما نقل عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: (مَنْ‏ قَرَأَ الْقُرْآنَ‏ فَهُوَ غَنِيٌّ وَ لَا فَقْرَ بَعْدَهُ، وَ إِلَّا مَا بِهِ غِنًى‏), وهذا المعنى يفيد مطلق الغنى وأهمها غنى عرصة القيامة ببركة قراءة القرآن, ولكن ينبغي الحذر أيضاً فان هناك من يقرأ القرآن والقرآن يلعنه, كما اشتهر عندنا: (ربّ‏ قارئ‏ للقرآن و القرآن يلعنه‏).
​وأما على مستوى التدبر والفهم فقد قال تعالى: (كِتابٌ‏ أَنْزَلْناهُ‏ إِلَيْكَ مُبارَكٌ‏ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ‏ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْباب‏), ولعل هذا هو الغرض الأساس والهدف الاسمى من إنزال الكتاب, فليس من الحكمة قراءة القرآن دون فهم معناه أو تدبر آياته, فالتكليف مناط بفهم السياق القرآني؛ لذلك اجتهد علماؤنا للوقف على دلالة الالفاظ وبيان المقاصد لإرشاد المؤمنين إلى رؤية القرآن الكريم؛ ليتمكن أحباب القرآن من نسج علاقة مبنية على أساس موضوعي لا مجرد لقلقة لسان لا يؤثر على صاحبه وقد لا يزيده إلا بعداً.
​وأما المستوى الآخر فهو حفظ القرآن الكريم, وهذا يستلزم علاقة فريدة وصحبة مميزة بين القرآن وصاحبه, فالحافظ يرتفع مقامه بالقرآن حتى يبلغ منزلة الملائكة الكرام, وقد دلت الإشارات الروائية أن هذا القرآن يرفع أقواماً ويضع آخرين, ولذلك ينبغي على المؤمن أن يجتهد في توطين علاقته بكتاب الله ولا يكفيه قراءة شهر رمضان كما هو حال أكثر الناس اليوم, ويتركون القرآن بعد ذلك إحدى عشر شهراً, فيصدق عليهم شكوى القرآن المهجور الذي ثبت في رواياتنا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، إذ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ يَشْكُونَ‏ إِلَى‏ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: مَسْجِدٌ خَرَابٌ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ، وَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، وَ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لَايُقْرَأُ فِيهِ).