مقاصد التلاوة


الشيخ خيرالدين الهادي



​لا يخفى أن تلاوة القرآن تستلزم التوفيق والسداد, وبفضل الله تعالى ورحمته هناك الكثير من القلوب التي انشرحت لتلاوة القرآن, وجدولت أيامها وقسمت ساعاتها, لتكون مع هذه النعمة الالهية بكل ما فيها من الخير والبركة والفضل؛ وقراءة القرآن نافذة عظيمة لأنها لا توجب الثواب والكرامة فحسب؛ بل لما فيها من الخير الكثير وفي مختلف الجوانب, فمن القصور أن نتصور خيره في زاوية دون أخرى, أو في فعلٍ دون آخر, فمن قصر علمه عن عظيم المنافع فقد فاته ما لا يعلمه من الخير؛ لتعدد مقاصد التلاوة بحسب نية القارئ, وكما شاع فإن الأعمال بالنيات, ولكل امرئ ما نوى.
​والمعلوم أن القرآن منهج حياة, وباب للتجارة مع الله تعالى لا يغلق آناء الليل ولا أطراف النهار, فمن قرأ القرآن للعلم تعلم, ومن قصد الهداية هداه الله تعالى ببركة القرآن, والمناجي لله تعالى يدرك ضالَّته به, فكم من تالٍ للقرآن بقصد الاستشفاء نال حظه من الشفاء سواء المادي أو المعنوي, وكم من داعٍ كان في الظلمات ففرَّج الله عنه وأخرجه إلى النور بالقرآن, وأهل القلوب القاسية يدركون أن القرآن خير وسيلة لحياة القلوب وطمأنتها, إذ قال تعالى: ( أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ), فمن جلس على مأدبة القرآن لا يقوم إلا وقد خرج من دائرة الغافلين إلى ساحة الذاكرين.
​أما أهل اليقين والتقوى فقد أدركوا أن القرآن وسيلتهم فلذلك اجتهدوا في طلب آياته حتى عُرفوا بالقرآن فكانوا مصداقاً لأهله, فزاد الله بالقرآن حسناتهم وضاعفها لمن شاء منهم, ومن ورائهم الغنيمة حيث رفيع الدرجات, وزيادة الإيمان, وشفاعة القرآن؛ باعتبارهم يتكلمون مع الله بالقرآن, ولهم تاج الوقار, والارتقاء يوم الورود, فهم أهل الله وخاصَّته, ولا يكونون إلا مع السفرة الكرام البررة, فأمنوا عذاب الله, والابتعاد عن النار, وعن غضب الجبار, فهم من أهل الكرامة, والقرآن حجتهم, فلم يضلوا في الدنيا, ولم يشقوا في الآخرة.
​إن الاستقرار على الصراط يكون باتباع منهج القرآن, الذي يكون أنيساً في القبر لأهله, ونوراً بين يديهم, وهادياً إلى مستقرهم, وسائقاً إلى الجنة, فأهل القرآن مشغولون به عن غيره, فكانوا بذلك على الحق المبين, ولم يكن للشيطان عليهم سلطان, فلم يتبعوا الهوى ولم يعدلوا عن الحق, فكان بينهم وبين الكافرين حجابا مستوراً؛ فربحت تجارتهم وآتت أكلها, فلم تظلم منهم شيئاً, فهنياً لمن كان مع القرآن الصادق وعمل في طاعة القرآن الناطق؛ ليجمع الله له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.