قطب القرآن في حديث الثقلين


انتصار عبد مناتي السوداني 


 

غرق الانسان في بحر الشهوات ،وهاجت أمواج الفتن موج فوقه موج كظلمات ،فقد الامل بالنجاة وضاع الحق وتكبر الباطل واختلط الحابل بالنابل، واحتوشته ذؤبان الفلوات تاهت القلوب بالمتاهات واحتارت العقول بالمغيبات؛ لاح بالآفق  ضوء كحبل ممدود من السماء إلى الأرض، انه حبل الله المتين وثقل العترة الطاهرة لتمسك الأرض ان تسيح بأهلها وينطفئ نورها وتتيها بالمجرات انهما  طود النجاة  من شر شياطين الإنس والجان   تركهما نبي اخر الزمان لإنقاذ البشرية جمعاء بقوله: (أيها الناس.....إلا أني مخلف فيكم كتاب ربي عزوجل وعترتي أهل بيتي ،ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال:هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا حتى يراد عليّ الحوض فأسالوهما ما خلفت فيهما)١

المتأمل للوصية الأخيرة  لخاتم الانبياء والمرسلين سيلاحظ انها موجه لك ل البشرية وكذلك يلاحظ التأكيد بحرف (لن يفترقا)ولن للتاييد بمعنى لن يفترقا ابدا في كل شي وهذا  التلازم والاقتران بين القران والعترة الطاهرة ويبدو واضحا من كلامه ان البشرية في كل زمان ومكان متعرضة للضياع والغرق في بحر ظلمات الجهل وتحتاج طود نجاة لأنقاذها وهذا الطود هو القران الكريم النازل من الله عزوجل على رسوله الاعظم وآل بيت  محمد الذين اختارهم الله عزوجل ونصبهم أئمة وقادة للبشرية لهذا قال رسول الله( فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقران فأنه شافع مشفع وما حّ ل مصدق ،من جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار) ٢ و في زيارة الجامعة الكبيرة (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن  تخلف عنها  هلك ) ٣

هذا التلازم والاقتران بين القران والعترة الطاهرة تواترت الاخبار عليه ا لانهما متشابهان في كل شي ومتكاملان ومتلاحمان في الجوهر والمضمون، لانهما من الله عزوجل خلقهما   لهدف واحد وغاية واحدة كأنهما نورين في شعاع واحد او طريقين يصلان لهدف واحد وهو الدعوة إلى معرفة  الله الواحدالاحد والرقي بالإنسان للوصول للكمال المطلق وتحقيق السعادة الأبدية  ،وقد  كتب المفسرين والباحثين عن نقاط الاقتران  بينها وهي كثيرة وكل واحدة تحتاج بحث مستقل ولكني سأشير  لبعضهن بالأدلة النقلية واركز على آخر  نقطتين ربما لم يكتب فيهما كثيرا . 

١-العصمة:القران والعترة الطاهرة كلاهما معصومين وهذا واجب عقلا وشرعا حتى يحصل الوثوق بهما ليتحقق الغرض من الرسالة المحمدية  قال تعالى :(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )فصلت، ٤٢. 

واثبت القران  عصمة العترة الطاهرة(:أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )الأحزاب ،٣٣.

٢-الهداية والشفاء: القران كتاب هداية وشفاء لما في الصدور ومحمد وآل محمد هم الهداة وبهم عرف الكتاب ،لأن الهدف من وجودهما هو هداية البشرية للحق المطلق ،  وشفاء لكل أ مراضهم النفسية والجسدية والروحية.  

قال تعالى :(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )يونس، ٥٧.

قال رسول الله:(.....أن الله جعل ذكرنا اهل البيت شفاء الصدور وجعل الصلوات علينا ماحية للأوزاروالذنوب ومطهرة للعيوب ومضاعفة للحسنات)٤

٣-الشفاعه: وهي ان تصل رحمته سبحانه ومغفرته الى عباده من طريق اوليائه وصفوة عباده، ولأن القران والعترة الطاهرة هما مصدر الرحمة الالهية في الدنيا والآخرة ومهمتهم إخراج  البشرية من الظلمات إلى النور في الدنيا ،وفي الآخرة  ينقذونهم  من طبقات جهنم  لكرامتهما عند الله عزوجل عن طريق الشفاعة وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم ،كما وقعت مورد اهتمام بليغ في الحديث النبوي ،قال تعالى:( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا) طه،١٠٩

وفي تفسير القمي قال الصادق عليه السلام   :لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله حتى يأذن الله ألا رسول الله فأن الله أذن له في الشفاعة قبل يوم القيامه ،والشفاعة له وللائمة من ولده ثم من بعد الأنبياء )٥

٤-الخلود :أن الحكمة الإلهية اقتضت ان يكون الدين الخالد مقروناً بالمعجزة الخالدة حتى تتم الحجّة على جميع الأجيال والقرون الى ان تقوم الساعة (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )النساء،٦٥.

لأن القران الكريم هو معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين جعله الله خالدا الى يوم القيامة وقد ذكر النبي الخاتم هذا في حديث الثقلين بقوله: (لن يفترقا حتى يراد علي الحوض)والحوض هو حوض الكوثر والذي مقامه يوم القيامه ،اذن خلود القران ملازم لخلود العترة الطاهرة ،والدليل رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرن اً ونيف على نزول القرآن وعلى حديث الثقلين فما زالا موجودين وخالدين الى يومنا هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين الميلادي والى يوم القيامه ،أما سبب هذا الخلود فهو لانهما ينتسبان للخلود المطلق، ولأن إرادة الله ارادة لهما الخلود ،فرغم جحود الكافرين والشبهات المرجفين الا ان القران كلما مرت العصور لا يزداد الا غضاضة وغزارة بالعلوم ،وروي ان رجلا سأل الامام الصادق عليه السلام ما بال هذا القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضة فقال: (لأنّ آلله لم ينزله لزمان دون زمان،ولا لناس دون ناس ،فهو في زمان جديد وعند كل قوم غضّ الى يوم القيامة )٦

 

 

وهذا دليل على خلوده ،والعترة الطاهرة خالدة ايضا رغم محاولة اعداء الدين التعتيم علي دورهم وفضائلهم وجهادهم في سبيل نصرة الاسلام ونشر احكام القران ألا انهم كالشمس كما ذكر القران ذلك بقوله:( يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى آلله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) التوبة، ٣٢.

وذكر المفسرون ان هذا وعد حتمي بانتشار الاسلام وتطبيق القران الكريم بين البشرية جمعاء وهذا لا يتحقق إلا بزمان ظهور الحجة ابن الحسن خليفة رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، القضية المهدوية خالدة وحاضرة مع خلود القران .لانها امتداد العترة الطاهرة . 

ومن آثار خلود العترة الطاهرة الثورة الحسينية العظمية ،خرج الامام الحسين لإنقاذ الأمة الإسلامية من الانحراف وضحى بأولاده واخواته في صحراء كربلاء قتلوا غرباء ،فمن يتوقع لهم الخلود مع كل ما فعلته الماكنة الإعلامية الأموية الخبيثة من تشويه صورتهم والطعن ألا ان نورهم علا كمناراتهم الذهبية في كربلاء، وسبب هذا الخلود الحسيني لانه منتسب لله عزوجل فهم فتية امنوا بربهم واخلصوا لله فصار الحسين ثأر الله الموتور  ،لأن رسالته ألهيه وقضيته ليست شخصية صار الطلب بثأره  هو انتصار للرسالة وإحباط الجاهلية التي قاتلها الحسين واصحابه ،كربلاء جسدت صراعا بين حضارتين بين الاسلام والجاهلية ومقاومة الحسين وثورته الإصلاحية هي لإيقاف زحف الردّة الجاهلية على المجتمع الإسلامي ،وقد تعهد القران الكريم بحفظ دم الشهيد المخلص لله حيث قال :(أنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا )غافر،٥١

وقد وردت ايات كثيرة عن نصر الله لمن ينصره ويدافع عن دينه، وسر خلود العترة الطاهرة هو تعهد الله عزوجل بحفظ جهود العاملين في سبيله حيث قال: (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة أنا لا نضيع أجر المصلحين )  الأعراف،

 ١٧٠

وهل هناك من يعمل في سبيل الله كمحمد وآل محمد لقد ضحوا ا انفسهم لله وفي سبيل الله وعلى ملة رسوله ،ليستنقذوا عباده من الجهالة  وحيرة الضلالة . 

 

 ٥-الثاثير :لا يختلف اثنان بان القران له تأثير على الانسان وظهر تأثيره على الجاحدين والكافرين وعلى المسلمين على حد سواء ،وقد ذكرت كتب التاريخ قصص العتاة واهل البلاغة من قريش وتأثرهم بالقران العظيم واعترافهم بذلك منهم الوليد بن المغيرة وهو من حكام العرب وكان الشعراء يحتكمون اليه فلما سمع القران قال :والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ،وأن له لحلاوة، وأن عليه لطلاوة وان اعلاه المثمر وأن أسفله لمغدق،وأنه ليعلي ولا يعلو عليه) ٧ ،أن المشركين لما علموا بتأثير القران على النفوس منعوا الناس من الاستماع إليه، قال تعالى :(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران وألغوا فيه لعلكم تغلبون)فصلت ، ٢٦.

ورغم حربهم الإعلامية ومنع اهل مكة من سماعه الا ان كل من يسمعه يتأثر به ،ان القران الكريم غير أمة كانت لا تعرف غير  التقاتل والتناحر فيما بينها وكانوا  يشربون الطرق ويقتاتون الورق أذلة خاسئين  فمن الله  عليهم بمحمد وبقرانه العظيم و أصبحوا خير امة أخرجت للناس واصبح القران دستورا للحياة المدنية ومنهاجا للاإنسانية ولا غرابة فالله عزوجل يخبرنا بقوة تأثير القران على كل الموجودات حيث قال:( لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) الحشر، ٢١.

اي لتصدعت الجبال الرواسي لكمال تأثيره على القلوب وعلى كل الموجودات في هذا الكون ،والعترة الطاهرة لأنها

ملازمة للقران فهي ايضا لها تأثير بالغ في النفوس لانهم يمثلون روح القران ونهجه القويم، والكتب تزخر بسيرة اهل البيت واثرهم على الناس وقصة موسى ابن جعفر صلوات الله عليهم أجمعين مع بشر الحافي الذي كان ماجنا منحرفا عن نهج الاسلام بكلمة واحدة سمعها من الامام انقلب كيانه وصار من المؤمنين  المخلصين لله ورسوله ،والحسين صلوات الله عليه لا يوجد احد سمع قصة ذبحه الاليمة وتضحيه برضيعه واهل بيته الأطهار إلا ما تأثر وصار سببا في بحثه عن الإسلام ليعرف حقائقه ،خصوصا في عصرنا الحالي حيث لا قيود على الفكر الواعي والعقول المستنيرة ،وامير المؤمنين الذي حير الباحثين والكتاب والعلماء بسيرته وعدله وحكمه بين الناس حتى كنب عنه المحب  والمبغض والناكر لولايته من كل المذاهب الإسلامية وحتى الديانات المختلفة ،وكتاب علي صوت العدالة الإنسانية للكاتب الشهير جورج جرداق المسيحي ليس بعيدا  عنا فقد آثار ضجه في الأوساط العلمية والأدبية وتأثر به كثير من الناس .والعشرات من المؤلفات عن هذه الشخصية العظيمة (علي ابن ابي طالب)لأثاره واثره في البشرية على مر السنين والدهور . 

اذن نستنتج مما تقدم  ان الأخبار قد تواترت على ان  العترة الطاهرة عدل القران والثقل الذي أوصى به النبي الأعظم والدال على تلاحمهم المطلق مع القرآن فكرا وقولا وعملا ،بل نزجم لولا محمد وآل محمد ما خلق القران لانهم هم من دافعوا عنه وهم من نشروا علومه وفسروه للناس ووضحوا احكامه وظهر نهج البلاغة يشرح ويفسر ويجمع كل علوم القرآن للناس،  ولولا محمد وآل محمد ما عرف الكتاب المجيد ولا بقي شي منه ،وقد بين الله عزوجل هذا  المعنى في حديث الكساء بقوله :(ما خلقت سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا فلك يدور الا لأجلهم )٨ وقال امير المؤمنين  :(نحن الشعار والأصحاب والخزنة والابواب )٩،فلولا القران لم يكن للحياة هدى ولا للانسان  رشد ولولا محمد وآل محمد لم يكن للرشد مرشد ولا للعلم معلم ،فالقران أصل العلم والعترة الطاهرة معرفته ومعدنه وبيانه.

 

محمد وآل محمد هم خزنة القران وابواب الله وهم أصحاب الجنه وأبوابها ،ونختم برواية بليغة جامعة وتختصر  كل  ما ذكرناه سابقا على لسان مؤسس المدرسة الجعفرية التي نشرت العلوم المحمدية وخرجت أربعة آلاف طالب انتشروا في الأمصار لتعليم الناس احكام القران  وأصول الدين الحنيف ،حيث قال :(أن الله جعل ولايتنا اهل البيت قطب القران) ١٠ ١٠والقطب باللغه هو قطب الرحى بضم القاف وفتحها وكسرها ).وال ق ط ب  كوكب بين الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك

   ١١)

والتأمل  والتفكر في هذه الرواية العظمية تفتح لنا أبواب للعلم ومعرفة أسرار للباحثين عن الحقائق المستودعه بمحمد وال محمد  الأطهار.   

 

أن محمد وآل محمد هم أصل القران وهو يدور حولهم كما تدور الارض حول الشمس كما أكد ذلك خاتم الأنبياء والمرسلين: (علي مع القرآن والقرآن مع علي ) ،فأكثر ما نزل من القرآن مرتبط ببهم من قريب أو بعيد فبعضه في ولايتهم ومحبتهم وطاعتهم وبعضه في فضح اعداءهم وبعضه في فضائلهم والأحكام التي لا تصل غايتها ولا تقع مقبولة عند الله إلا بمحبتهم ،ولتلازم القران والعترة الطاهرة فما زال ينزل عليهم كل ليلة قدر في شهر رمضان المبارك ينزل على ابن رسول الله وخاتم اوصيائه الحجة ابن الحسن فهما لن يفترقا الى يوم القيامة. 

 

المصادر : 

١-الصواعق لابن حجر، ص٧٥

٢-الكافي ج٢،ص٢٩٩

٣-الصواعق المحرقة ،ج٢،ص٤٤٢

٤-بحار الأنوار، ج٢٦،ص٣٨٧

٥-تفسير القمي ج٧،٤٣٢

٦-عيون أخبار الرضا ،٩٣،ا/ح٣٢

٧-محمع البيان ج٥،ص ٣٨٧

٨-مفاتيح الجنان ،ص٣٢٤

٩-نهج البلاغة ،ص٢١

١٠-بحار الأنوار ج٢٧،ص٩٨

١١-مختار الصحاح، ص٢٥٣