تكليفنا الكاظمي اتّجاه القرآن الكريم


بقلم : يقين محمد نعمة


تعتبر حياة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم المرجعيات والنوافذ الرصينة لفهم معاني كتاب الله العزيز، ولاشك أنهم هم عدل القرآن والضمان الثاني بعده في حياتنا، فإن تتبعنا مثلًا حياة الإمام الكاظم عليه السلام نجد أنه عاصر شتى الأزمات تحت ظلال الحكومات الطاغية، ونستطيع استلهام كيفيّة العمل وفق منهجه عليه السلام في أحلك الظروف وكيفيّة جعل القرآن الكريم طريقنا في مضامين الحياة كافة، إذ يعلمنا الإمام كيف نقرأ كلام الله عز وجل قراءة مسؤولة غير مجردة، حيث "كان أفقه أهل زمانه  وأحفظهم لكتاب الله، وأحسنهم صوتًا بالقرآن، وكان إذا قرأ يحدر ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجدين"(١)
ولو لاحظنا صفاته عليه السلام (أفقه، أحفظ، أحسن)، فهي كلها صيغ تدل على التفضيل، أي أن مهمته تتعدى لتشمل أبعادًا تبليغية عدة، فأثناء تلاوته تمتع بأدب رفيع اتّجاهها من حيث حزنه وبكائه وبكاء السامعين أيضًا، حتى عُرف بما عرف عنه، وقد كان وما زال قدوة في تفعيل منهج حب القرآن الكريم وتعلمه، مثل ما روي عن حفص قوله: "سمعت موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول لرجل: أتحب البقاء في الدنيا؟ فقال: نعم، فقال: ولم؟ قال: لقراءة قل هو الله أحد، فسكت عنه فقال له بعد ساعة: يا حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن عُلِّم في قبره ليرفع الله به من درجته فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال له: اقرأ وارق، فيقرأ ثم يرقى. قال حفص: فما رأيت أحدًا أشد خوفًا على نفسه من موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ولا أرجأ الناس منه وكانت قراءته حزنًا، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانًا"(٢)

ومن المؤسف حقًا أن تكون قراءتنا قراءة تاريخية فحسب لسير أئمتنا عليهم السلام من دون تدبر وتشخيص للمصاديق الحاضرة في نبض حياتنا للاستفادة من أسلوب وطريقة الإمام بتقواه وصالح عمله في ثقافة تبليغ القرآن الكريم، إذ ساهم كاظم الغيظ روحي له الفداء في تصحيح الانحرافات العقدية من خلال البناء القرآني العقدي الرصين له، كيف لا وقد وصفه أبوه صادق الآل عليه السلام:" إن ابني هذا - وأشار إلى الإمام موسى - لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم"(٣)

ومن هذه الانحرافات التي كانت شائعة هي فكرة القياس، عَنْ سمَاعَةَ عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ(ع)قَالَ‌ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ لَقُوا أَبَاكَ وَ جَدَّكَ وَ سَمِعُوا مِنْهُمَا الْحَدِيثَ فَرُبَّمَا كَانَ الشَّيْ‌ءُ يَبْتَلِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ شَيْ‌ءٌ يُفْتِيهِ وَ عِنْدَهُمْ مَا يُشْبِهُهُ يَسَعُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْقِيَاسِ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْ‌ءٍ إِلَّا وَ قَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ.(٤)
حيث كان مدافعًا مناصرًا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، ومن هنا يتجلى لحافظ القرآن وتاليه ومعلمه منهج مبدئي في التعامل مع دستور الأمة والخطاب العصري بالرجوع إلى رواة الحديث وفقهاء الأمة لتشخيص المصاديق وحل المشكلات وفق رؤية واضحة عبر فهم حياتهم وسلوكهم المبارك،
فمن غير المعقول أن تعطل الآيات القرآنية تدبرًا وسلوكًا وحصرها في زمان دون آخر وفي شخصية تاريخية دون أخرى، فهذا التفكير يدعونا للاستسهال  في معرفة تكليفنا الحالي اتّجاه القرآن، وتضعيف دورنا كشيعة خصوصًا، فقد رسم لنا الثقلان خطوطًا عامة وبقي علينا أن نسأل ونبحث عن تكليفنا الكاظمي اليوم اتّجاه كتاب الله عز وجل، وهل أدينا دورنا بوجود إمام زماننا أم لا؟


(١)الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
(٢)الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٦٠٦
(٣)حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ٧٢
(٤)بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة ٣٢٢