الحسين الشهيد عليه أفضل الصلاة والسلام واحدٌ من شعائر الله، أي هو مَعْلَمٌ من معالم الله. ومعنى أنه مَعْلَم هو أنه الطريق إلى معرفة الله، والطريق الذي إذا سُلِك كان مُوصلاً إلى الله، ومُوصلاً إلى دين الله، وإلى أحكام الله، وإلى شريعته، وإلى مقاصد الشريعة الإلهية.. هذا هو معنى أنَّ الحسين (ع) شعيرة من شعائر الدين. وهكذا فإنَّ كلَّ نبيٍّ فهو مَعْلَم من معالم دين الله، والقرآن معلم من معالم دين الله؛ لأنه المعرِّف بدين الله، والمعرِّف بأحكام الله، وبأصول العقيدة، وبما شرَّعه الله عز وجل لعباده.. وهكذا فإنّ محمداً الرسول (ص) شعيرة من شعائر الله؛ لأنه المعرَّف بدين الله، وعليٌّ أمير المؤمنين، والحسن، وسائر أئمة أهل البيت هم من شعائر الله؛ لأنهم الطرق الموصلة والمعرِّفة بدين الله. فكلُّ هؤلاء الذين ذكرناهم هم الطُّرق الموصلة إلى دين الله -عزَّ اسمه وتقدَّس-.
فالقرآن إذن يؤصِّل لأصلٍ عامٍّ بقوله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلوُبِ﴾.
وظيفة المؤمنين تجاه الشعائر:ومعنى الآية المباركة أنَّ ثمة معالم لله، ومعالم لدين الله.. وإنَّ الوظيفة المُناطة بالمؤمنين، وبعموم عباد الله هي تعظيم شعائر الله وتعظيم معالمه، وإنَّ الإلتزام بهذا التكليف الإلهيّ هو من تقوى القلوب.
التعظيم لشعائر الله مظهر من مظاهر تقوى القلوب، وفي مقابل التعظيم التوهين لشعائر الله، والتوهين لمعالم الدين.
ثمة حالتان لا ثالث لهما:
إما تعظيم، وإن لم يكن فهو توهين؛ وذلك لأن وظيفتك التعظيم، وتكليفك الإلهي هو التعظيم، فإذا لم تعظِّم شعائر الله جلَّ وعلا فأنت في زمرة من يُوهِّن دين الله وشعائر الله ومعالم دين الله عز اسمه وتقدس، فالمطلوب من المكلَّف هو التعظيم، فإذا لم يعظِّم معالم دين الله فهو في زمرة الموَهِّنين.
المراد من تعظيم الشعائر:
ثم إنَّ التعظيم ليس بمعنى التقدير والتقديس وحسب، فذلك مظهر من مظاهر التعظيم، وليس هو حقيقة التعظيم، فحينما يكون تعظيم الحسين (ع) تكليفاً إلهياً ملقىً على كاهل كلِّ هذه الأمة فليس معنى ذلك هو أنَّ على الأمة أن تُقدِّر الحسين (ع)، وأن تحترم الحسين، وأن تحبَّ الحسين حباً عاطفياً، وأن تُبَّجله وتقَّدسه، وتقف عند ذلك الحد فتكون قد عظَّمت الحسين وعظَّمت شعائر الله، فإنما تلك مرتبة من مراتب التعظيم، وذلك مظهر من مظاهر التعظيم، لكنه ليس هو كلّ التعظيم. بل لو أنَّ هذا المستوى من التعظيم لم يُشفع بالمستوى الآخر الذي سنشير إليه فإنَّ هذا التعظيم سيكون مساوقاً للتوهين، ومجانباً للإلتزام بهذا التكليف الإلهي.
كيف نعظِّم الحسين كشعيرة؟
الحسين الشهيد (ع) معْلَمٌ من معالم الدين، وطريق جعله الله عز وجل إلى دينه، ودليل على شريعته، وهو المعرِّف بأحكام الله وبأصول العقيدة وبمقاصد القرآن ومعانيه، هذا معنى أنَّ الحسين شعيرة من شعائر الله، وهذا معنى أنَّ الحسين معلم من معالم الدين، فإذا كان كذلك فإذن يلزم تعظيمه، ومن تعظيمه -كما قلنا- هذا المظهر من التقدير والتبجيل والإكبار والإجلال، فهذا مظهر من مظاهر التعظيم، أن تُكبِر الحسين، أن تُجِل الحسين، أن تقدس الحسين، فذلك مظهر من مظاهر التعظيم إلَّا إن تعظيمه الحقيقي هو العمل بهدي الحسين (ع)، وتعظيم الحسين لكونه مَعْلَماً من معالم دين الله عز وجل معناه العمل بهدي الحسين، معناه اعتماد قيم الحسين، ومبادئه التي كان يدعو إليها، معنى تعظيم الحسين (ع) هو اعتباره النموذج الذي ينبغي أن يُحتَذا بمواقفه، بخطاباته، بما كان يقول، بما كان يفعل، وأن يُعْتَمَد كوسيلة للوصول إلى الله عز وجل، وللوصول إلى دين الله -عزَّ اسمه وتقدَّس-. وهذا هو معنى أن الحسين -كما ورد عن الرسول(ص) "مصباح هدى، وسفينة نجاة"(2)، فهو مصباح هدىً يُستَضاء بهَدْيِه يُسْتضاء بما كان عليه من سجايا وخصال، وهو سفينةُ نجاة، فمن ركبها كان في الناجين، ومن تخلَّف عنها كان في الغارقين. هذه مقدمة أردنا أن نبدأ بها الحديث.
بعد ذلك يقع الحديث حول انعكاس مفاهيم القرآن على الشعائر الحسينية.
الحسين عِدْلٌ للقرآن وتجسيدٌ للقرآن:
طبعاً لأنَّ الحسين الشهيد-عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- هو عِدْل القرآن، كما هو مقتضى حديث الثقلين: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلو: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"(3). والتمسك بكل من القرآن و العترة أمان من الضلال "وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"(4).
فالحسين بمقتضى حديث الثقلين، وبمقتضى النصوص القرآنية والروايات المتواترة هو عِدْل القرآن، فإذا كان كذلك فهو المجسِّد للقرآن على الأرض، فموقفه قرآن ناطق، وخطاباته قرآن، وهديه قرآن، ونهضته المباركة هي في الواقع انعكاس لمفاهيم القرآن، فليس ثمة من موقفٍ -حقُر أو خطُر- لأبي عبد الله الحسين (ع) في تمام الشؤونات إلا وهو انعكاس لمفاهيم القرآن؛ ذلك لأن الحسين (ع) إمام معصوم، وذلك لأنَّ الحسين عِدْل القرآن -كما أفاد الرسول الكريم (ص)-.
فإذاً إذا أردنا أن نتعرَّف على مقاصد القرآن، فلنستقرأ سيرة الحسين، ولنقف على فصول حياة أبي عبد الله الحسين- عليه أفضل الصلاة والسلام-، وعلى مواقفه، وسنجد أنها تجسيد لمفاهيم القرآن الكريم.
سلوك الحسين، نهضته، مواقفه، خطاباته، كلُّ ذلك انعكاس لمفاهيم القرآن الكريم