واضحة وبينة كالشمس، تقرأ على الوجوه، بل تعكسها الوجوه دون الحاجة إلى القراءة والتأمل، فهي تتحدث وهي تعبر، وهي تترجم ما هي فيه من حال، لتخبرك بواقعها وراحتها وسعادتها.تلك وجوه أهل الجنة الذين وصفهم الله بقوله ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ ، لقد اختلف العلماء في التفسير واقتربوا من بعضهم في المعنى، فمنهم من قال إن النعيم يعرف من نظرات عيونهم، فالعين تعكس حالة الإنسان، قلقه وراحته ورضاه وسخطه.
هذا المعنى لم يرتضِه كل المفسرين، فقد رأى بعضهم أن أقرب المعاني هو أن وجوههم كلها وليست نظراتهم تعبر عن النعيم والراحة والرضا، فهي نَضِرَةٌ حية طرية متجددة، وهي آملة وفرحة.
وجوههم تحكي السعادة والطمأنينة والتسليم لما هي فيه من النعيم والسعة والراحة والعطاء الجزيل، هي بتمامها تخبرك عن حال أهلها وعن نفسيتهم وأوضاعهم وحياتهم هناك، ومن شدة الوضوح في تعابير وجوههم يجزم الخالق سبحانه أن المعرفة براحتهم وسعادتهم حاصلة من وجوههم لا محالة ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ .
كم يسعد الإنسان حين يرى وجوه الناس معبرة عن سعادتها وراحتها في الدنيا كما هي في الآخرة، ولكن هل يكون ذلك؟ أي أن تكون وجوه الناس في الدنيا معبرة عن أحوالهم كما هو حالها في الآخرة؟
ورد عن رسول الله في حديث شريف - قد يقارب هذه الحقيقة - أنه قال: «ما أضمر امرؤٌ شيئاً إلا ظهر على قسمات وجهه أو فلتات لسانه»، أضمره بمعنى خبّأه وأخفاه، وحاول التحفظ عليه، لكن قسمات الوجه كما فلتات اللسان تفضح وتكشف وتدل وتعبر عن حالة الإنسان ولا تتخلف إلا نادراً.
في حياتنا اليومية نستطيع في الكثير من الأحيان قراءة النعيم على وجوه الناس، حين يعيشون راحته وسعادته في أسرهم وأعمالهم ومحيطهم ومجتمعاتهم، ونستطيع إلى حد كبير قراءة البؤس والسخط على وجوه أخرى ليست سعيدة في أسرها، ولا راضية عن محيطها، وغير قابلة ببيئة عملها، وتعيش حالة التذمر في مجتمعاتها.
لا نحتاج لنشرات خبرية كي نكتشف الحال ولا نحتاج إلى فضائيات متعددة لتتجلى الصورة، ويمكننا الاستغناء عن الصحف والمجلات وجميع وسائل الإعلام، فالوجوه أصدق تعبيراً، وحالة الإنسان أبلغ من النطق والكلام، لأنها تكشف أثر الواقع الذي يفرض طعمه ولونه ورائحته على تعابير تلك الوجوه، فلا تخونك القراءة، ولا تنعدم عندك الرؤية.
المظاهر العامة قد تخدع والتطبيل الإعلامي قد يربك ويشوّش الصورة، لكن وجوه الناس تعبر عن واقعها وإن صمتت، كل الذين زاروا مصر سابقاً في عهد مبارك كانوا يتحدثون عن بؤس الناس وفقرهم ودمارهم، وهذا العهد الجديد إذا لم يغيّر الواقع، ويحسّن حال الناس، فستعود تلك الوجوه مرة أخرى لتحكي بؤسها وفقرها وسخطها وعدم رضاها.
الإعلام الرسمي في كل مكان من العالم يسعى دائماً ليخفي حقيقة الأوضاع وصعوباتها الحياتية على وجوه الناس، لكنه يعجز عن ذلك، ففي الدول التي لا صمت فيها لا يكتفي الناس بتعبير الوجوه، أما الدول التي يسكن أهلها وكل مرافقها الصمت، فإن الوجوه يمكن أن تكون الدليل والمعين لمعرفة واقع الناس وفهم مراراتهم.
اللهم اجعل وجوهنا مكسوّة بنضرة النعيم في الدنيا والآخرة.