جعل القرآن الكريم للنفس الإنسانية مراتب هي النفس الأمّارة، النفس اللوّامة، النفس المطمئنة، النفس الراضية المرضية، وإليك وصف هذه المراتب : النفس الأمّارة وهي التي تدعو صاحبها إلى فعل المحرمات وترك الطاعات ، يقول سبحانه نقلًا عن يوسف عليه السلام: (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفس لأَمّارةٌ بالسُوء إِلّا مَا رَحِمَ رَبّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم). (1)هذه الآية الشريفة تبين حالة النفس التي تميل بطبيعتها إلى ملذاتها ومشتهياتها ، والإنسان مأمور بأن يكبح جماحها وأن يروضها على طاعة الله سبحانه ، فيوسف (عليه السلام) مع علوّ منزلته ومقامه عند الله سبحانه وتعالى .النفس اللوّامةالنفس اللوامة وهي النفس التي تؤنّب صاحبها على ما اقترفه من السيئات و الآثام خصوصاً بعد ما تذهب السكرة وتأتي الفكرة ، فتدفع الإنسان إلى الندم والتوبة على ما فرط في جنب الله تعالى ، وهذه النفس قد تقوى وتشتد أو تضعف وتخمد بحسب كل إنسان وقدر اقترافه للذنوب . قال تعالى : "لا أُقْسِمُ بِيَومِ القِيامَة* وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ "ويطلق عليها علماء النفس في هذا الزمن بالوجدان الأخلاقي، ويعدونها محكمة لا تحتاج إلى قاض . النفس المطمئنّة وهي التي تطمئن وترضى بما قسم الله لها في الحياة ، فترى كل ما في هذا الوجود من منظار الرحمة والحكمة الإلهية ، ويعيش الإنسان في ظلها حالة العبودية الخالصة لله تعالى .يقول سبحانه: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة). يقول الحكيم محمد مهدي النراقي حول واقع النفوس الثلاث: والحقّ انّها أوصاف ثلاثة للنفس بحسب اختلاف أحوالها، فإذا غلبت قوتها العاقلة على الثلاثة الأُخر، وصارت منقادة لها مقهورة منها، وزال اضطرابها الحاصل من مدافعتها سمّيت (مطمئنة)، لسكونها حينئذٍ تحت الأوامر والنواهي، وميلها إلى ملائماتها التي تقتضي جبلتها، وإذا لم تتم غلبتها وكان بينها تنازع وتدافع، وكلما صارت مغلوبة عنها بارتكاب المعاصي حصلت للنفس لوم وندامة سمّيت (لوامة). وإذا صارت مغلوبة منها مذعنة لها من دون دفاع سميت (أمّارة بالسوء) لأنّه لما اضمحلت قوتها العاقلة وأذعنت للقوى الشيطانية من دون مدافعة، فكأنّما هي الآمرة بالسوء. النفس الراضية المرضية وهي النفس المتكاملة الراضية من ربّها رضى الرب منها، واطمئنانها إلى ربّها يستلزم رضاها بما قدّر وقضى تكويناً أو حكم به تشريعاً، فلا تسخطها سانحة ولا تزيغها معصية، وإذا رضى العبد من ربّه، رضى الرب منه، إذ لا يسخطه تعالى إلّا خروج العبد من زي العبودية، فإذا لزم طريق العبودية استوجب ذلك رضى ربّه ولذا عقب قوله: (راضية) بقوله: (مرضية).قوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبادي* وَادْخُلي جَنّتي) تفريع على قوله:(ارجعي إِلى رَبِّكِ) وفيه دلالة على أنّ صاحب النفس المطمئنّة في زمرة عباد اللَّه حائز مقام العبودية، وذلك انّه لما اطمأنّ إلى ربّه انقطع عن دعوى الاستقلال ورضى بما هو الحقّ من ربّه فرأى ذاته وصفاته وأفعاله ملكاً طلقاً لربّه فلم يرد فيما قدر وقضى، ولا فيما أمر ونهى، إلّا ما أراده ربّه، وهذا ظهور العبودية التامة في العبد، ففي قوله: (فَادْخُلي في عِبادي) تقرير لمقام عبوديتها. وفي قوله: (وادْخُلي جَنَّتي) تعيين لمستقرها، وفي إضافة الجنة إلى ضمير المتكلم تشريف خاص، ولا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى وتقدس إلّافي هذه الآية. مفاهيم القرآن ج9 ص408-409 . النفس المطمئنة في روايات أهل البيت عليهم السلام .وفي تفسير علي بن إبراهيم : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال : إذا حضر المؤمن الوفاة نادى مناد من عند الله يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي راضية بولاء علي مرضية بالثواب ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، فلا يكون له همة إلا اللحاق بالنداء . بحار الأنوار ج 6 ص 182 – 183