السيد فاضل الموسوي الجابري
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
يقول العلّامة الحلّي المتوفى سنة 726 في بعض أجوبته حيث سئل : «ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك بما هو من أهله» فأجاب :
«الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السّلام المنقولة بالتواتر» أجوبة المسائل المهناوية : 121.
بيان :
1- أعتقد أن السؤال واضح جداً وشامل لكل أنواع التحريف – عدا بعض الوجوه المتصورة في معاني التحريف والتي سوف يأتي بيانها إن شاء الله – وكذا فإن السؤال ركز على الموقف الرسمي للطائفة الإمامية من مسألة التحريف وكان الجواب متطابقاً مع ماهية السؤال وفحواه .
2- استهل العلامة كلامه بقوله (الحق ) مما يشير إلى وجود آراء أخرى تفيد إما الزيادة أو النقصان أو التبديل.
3- استعمال لفظ (الحق) يشير إلى كون الآراء الأخرى باطلة في نظر العلامة الحلي. ولذا نجده يتعوذ بالله من هذا الإعتقاد الباطل.
4- يستدل العلامة على اعتقاده بصيانة القرآن من التحريف الذي يراه هو الحق، وبطلان القول بالتحريف الذي يراه هو الباطل، ببرهان اللوازم الباطلة. أي كل ما كان لازمه باطل فهو باطل . وإذا نظرنا إلى مسألة التحريف نجد أن لازمها هو إبطال كون القرآن الكريم معجزة النبي (صلى الله عليه وآله). بيان الملازمة : لأن فرضية التحريف سوف تسقط فرضية كونه معجزاً لكل الأجيال السابقة والحاضرة والمستقبلية، وللازم باطل فالملزوم مثله .
5- نعم العلامة لم يوضح لنا وجه الملازمة بشكل دقيق . ويمكن الإجابة على كلامه من جهة أخرى بأن كونه معجزاً لا يتوقف على وجود كل القرآن وإنما يكفي بعضه، لما ثبت في محله من أن الإعجاز يتحقق ولو ببعض السور , بسورة منه، كما تحدى القرآن الناس بقوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [سورة هود:13]
أو قوله : (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). [سورة يونس:38] .
فإذا ثبت أن الإعجاز يتحقق ولو بالبعض لم يضر تحقق الإعجاز وقوع النقص فيه لأن الغرض سوف يتحقق من خلال الباقي .
وسوف يأتي الكلام منا ببيان وجه الملازمة بين كون القرآن معجزاً أبدياً وبين عدم التحريف والعكس بالعكس إن شاء الله تعالى .