(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).


 


حقيقة الوسيلة إلی الله تعالی مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، وإذ كانت نوعاً من التوصل وليس إلا توصلاً و اتصالاً معنوياً بما يوصل بين العبد وربه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربه إلا ذلة العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلی جنابه تعالی، فهذه هي الوسيلة الرابطة، وأما العلم والعمل فإنما هما من لوازمها وأدواتها كما هو ظاهر، إلا أن يطلق العلم و العمل علی نفس هذه الحالة.

‏ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: «وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ‌» مطلق الجهاد الذي يعم جهاد النفس وجهاد الكفار جميعاً إذ لا دليل علی تخصيصه بجهاد الكفار مع اتصال الجملة بما تقدمها من حديث ابتغاء الوسيلة، و قد عرفت ما معناه: علی أن الآيتين التاليتين بما تشتملان عليه من التعليل إنما تناسبان إرادة مطلق الجهاد من قوله: «وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ‌».

و مع ذلك فمن الممكن أن يكون المراد بالجهاد هو القتال مع الكفار نظرا إلی أن تقييد الجهاد بكونه في سبيل الله إنما وقع في الآيات الآمرة بالجهاد بمعنی القتال، و أما الأعم فخال عن التقييد كقوله تعالی: «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ  الْمُحْسِنِينَ» 
(العنكبوت: ٦٩) و علی هذا فالأمر بالجهاد في سبيل الله بعد الأمر بابتغاء الوسيلة إليه من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماما بشأنه، و لعل الأمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الأمر بالتقوی أيضا من هذا القبيل.