إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) - سورة الكهف


 

 

سؤال: لماذا تتعلق نفوسنا بالارض؟‼️

‌ الزينة الأمر الجميل الذي ينضم إلی الشي‌ء فيفيده جمالاً يرغب إليه لأجله و الصعيد ظهر الأرض و الجرز علی ما في المجمع، الأرض التي لا تنبت كأنها تأكل النبت أكلا. ولقد أتی في الآيتين ببيان عجيب في حقيقة حياة الإنسان الأرضية وهو أن النفوس الإنسانية -وهي في أصل جوهرها علوية شريفة- ما كانت لتميل إلی الأرض والحياة عليها و قد قدر الله أن يكون كمالها وسعادتها الخالدة بالاعتقاد الحق و العمل الصالح فاحتالت العناية الإلهية إلی توقيفها موقف الاعتقاد والعمل وإيصالها إلی محك التصفية والتطهير وإسكانها الأرض إلی أجل معلوم بإلقاء التعلق والارتباط بينها وبين ما علی الأرض من أمتعة الحياة من مال وولد وجاه وتحبيبه إلی قلوبهم فكان ما علی الأرض وهو جميل عندهم محبوب في أنفسهم زينة للأرض وحلية تتحلی بها لكونه عليها فتعلقت نفوسهم علی الأرض بسببه واطمأنت إليها. فإذا انقضی الأجل الذي أجله الله تعالی لمكثهم في الأرض بتحقق ما أراده من البلاء والامتحان سلب الله ما بينهم وبين ما علی الأرض من التعلق ومحی ما له من الجمال والزينة وصار كالصعيد الجرز الذي لا نبت فيه ولا نضارة عليه ونودي فيهم بالرحيل وهم فرادی كما خلقهم الله تعالی أول مرة. وهذه سنة الله تعالی في خلق الإنسان وإسكانه الأرض وتزيينه ما عليها له ليمتحنه بذلك ويتميز به أهل السعادة من غيرهم فيأتي سبحانه بالجيل بعد الجيل والفرد بعد الفرد فيزين له ما علی وجه الأرض من أمتعة الحياة ثم يخليه واختياره ليختبرهم بذلك‌ ثم إذا تم الاختبار قطع ما بينه وبين زخارف الدنيا المزينة ونقله من دار العمل إلی دار الجزاء قال تعالی: «وَ لَوْ تَری‌ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ‌- إلی أن قال- وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادی‌ كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَری‌ مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ»: الأنعام: ٩٤.