أضواء على قصة زيد وزينب في القرآن


كان التبني من الأمور المتعارف عليها في الجاهلية ، وكان لهذا الابن بالتبني جميع أحكام الابن الصلبي كالتوارث وتحريم زوجة الأب أو زوجة الابن.

وقد نفى الإسلام هذه العادة الخرافية أشدّ النفي قال تعالى : 

( ذلكم قولكم بأفواهكم ) أي هو كلام لا يترتب عليه أي أثر ؛ بل أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام - ولمحو هذه السنّة المغلوطة – بدرس عملي وهو الزواج من زوجة ولده المتبنّى (زيد بن حارثة) بعد أن طلّقها ؛ ليتّضح من خلال هذه السنّة النبوية أنّ علاقة البنوّة والأبوّة علاقة طبيعية لا تحصل أبداً من خلال الألفاظ والادعاءات .

وقد أثار زواج النّبي بزوجة زيد المطلّقة ضجّة عظيمة بين أعداء الإسلام ، وأصبح حربة بيدهم للإعلام المضادّ السيء إلاّ أنّ هذا العمل كان يستحقّ تحمّل كلّ ذلك الصخب الإعلامي لتحقيق الهدف المنشود .


 -من هو زيد ؟

كان زيد عبداً اشترته السيدة خديجة (عليها السلام) قبل البعثة ، وبعد زواجها وهبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأعتقه ، ولمّا أراد أبوه أن يعيده لعشيرته رفض أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  فتأثر أبوه كثيراً وتبرأ منه ، فتبنّاه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأعلن للناس : إن زيداً  ابني ، أرثه ويرثني ، فكان يُدعى زيد بن محمد .

وبعد ظهور الإسلام أصبح زيد مسلماً مخلصاً متفانياً، وله دور كبير في الإسلام ، وفي النهاية أصبح أحد قوّاد الجيش في معركة مؤتة واستشهد فيها.


 -قصة زواج زيد من زينب: 

ذكرت هذه القصة في الآيات 36 ، 37 من سورة الأحزاب ، فعندما صمّم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يختار زوجة لزيد  خطب له سيدة من سيدات المجتمع  منحدرة من عائلة عريقة ، وهي (زينب بنت جحش ) ، وأمها (أميّة بنت عبدالمطلّب) ، فهي ابنة عمّته ، وكانت (زينب) تظنّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء يخطبها لنفسه، فسرّت ورضيت ، ولكنّها لمّا علمت فيما بعد أن خطبته كانت لزيد تأثّرت تأثّراً شديداً وامتنعت، وكذلك خالف أخوها (عبدالله ) هذه الخطبة أشدّ مخالفة .

فجاءت الآية :( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب آية 36 ، لتحذّر (زينب ، وعبدالله) وأمثالهما من مخالفة أمر يراه الله ورسوله ضرورياً ؛ لأنّ روح الإسلام التسليم المطلق لأمر الله تعالى بدون قيد أو شرط ، فلمّا سمعا ذلك سلّما لأمر الله .

إنّ اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  لزينب بالذات كان مقدّمة لتحطيم سنّتين من سنن الجاهلية :


الأولى : إن المرأة التي لها مكانتها وشخصيتها في المجتمع لم تكن مستعدّة للاقتران برجل كان في الجاهلية عبداً حتّى وإن كان يتمتع بقيم إنسانية عالية .

الثانية : كانوا يعدون الابن بالتبني كالابن الصلبي فيحرّمون الزواج من زوجته السابقة فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  - وبأمر من الله – بالزواج من (زينب) بعد ما طلقها زيد ، فالمسالة في كلا الأمرين مسألة تخص الدين والتشريع وبعيدة عن الأهواء كما يحاول بعض إظهارها .


-فشل الزواج وانهياره :

غير أنّ هذا الزواج لم يدم طويلاً ؛ بل انتهى إلى الطلاق نتيجة عدم الانسجام واختلاف أخلاق الزوجين بالرغم من أنّ النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مصرّاً على أن لا يتمّ هذا الطلاق. 

قال تعالى :( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّق الله )

المراد من نعمة الله تعالى على( زيد )هي نعمة الهداية والإيمان ، ومن نعمة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه كان قد أعتقه وكان يعامله كولده وكان لشدة حبه له يسميه ( زيد الحب ) .

ويفهم من هذه الآية أنّ الشجار والخلاف قد وقع بين( زيد ، وزينب)، وقد بلغ أعتاب الطلاق ، وبملاحظة أن الفعل (تقول) جاء بصيغة المضارع يستفاد أنّ النّبي كان ينصحه دائماً ويمنعه من الطلاق.

ثمّ تضيف الآية: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه).

لقد أسهب المفسّرون هنا في الكلام مما منح الأعداء حربة للطعن على حين يفهم من القرائن الموجودة في نفس الآية ، وسبب نزول الآيات ، والتاريخ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد قرّر أن يتّخذ ( زينب) زوجة له إذا ما فشل الصلح بين الزوجين ووصل أمرهم إلى الطلاق ، لكنه كان قلقاً وخائفاً من أن يعيبه الناس ويثير مخالفوه ضجّة وضوضاء من جهتين:

الأولى: إنّ زيداً كان ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتبنّي، وكما ذكرنا كانوا يعتقدون - طبقاً لسنّة جاهلية - حرمة الزواج من زوجة الابن المتبنّى المطلّقة .

والأخرى : هي كيف يمكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتزوّج مطلّقة عبده المعتق وهو في تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية؟

ولكن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد صمّم على أن يقدم على هذا الأمر رغم كلّ الملابسات والظروف ؛ لأنه أمر الله سبحانه بدليل قوله تعالى : ( زوّجناكها ).

من المسلّم أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينبغي أن يخاف الناس في مثل هذه المسائل إلا أن خشيته لم تكن على نفسه ؛ بل كان يخشى أن تؤثر الأقاويل والضجيج التي سيثيرها أعداؤه ومخالفوه على ضعفاء الإيمان، وتغرس في قلوبهم الشكّ والتردّد مما يؤثر سلباً على توسّع الإسلام ، وانتشار أهدافه المقدّسة .

ثم تقول الآية في متابعة المسألة: (فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطراً وكان أمر الله مفعولاً ).

(الوطر) هو الحاجة المهمّة ، واختيار هذا التعبير في مورد طلاق (زينب) للطف البيان، حيث لم تصرّح الآية بلفظ بالطلاق الذي يعدّ عيباً للنساء، بل وحتّى للرجال، فكأنّ كلاً من هذين الشخصين كان محتاجاً للآخر ليحيا حياة مشتركة لمدّة معيّنة، وافتراقهما كان نتيجة لانتفاء هذه الحاجة ونهايتها.

والتعبير بـ (زوجناكها) دليل على أنّ هذا الزواج كان زواجاً بأمر الله؛ ولذلك ورد في التواريخ أنّ (زينب )كانت تفتخر بهذا الأمر على سائر زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت تقول: (زوّجكنّ أهلوكنّ وزوّجني الله من السماء ). 

وجملة : (كان أمر الله مفعولاً) إشارة إلى وجوب الحزم في مثل هذه المسائل، حيث لا معنى للاستسلام أمام الضجيج والصخب في المسائل التي تتعلّق بالأهداف العامّة والأساسية، والطريف أنّنا نقرأ في التواريخ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أولم للناس وليمة عامّة لم يكن لها نظير في زواجاته السابقة  ، فكأنّه أراد بهذا العمل أن يبيّن للناس أنّه غير قلق ولا خائف من كسر السنن الخرافية التي كانت سائدة ؛ بل إنّه يفتخر بتنفيذ هذا الأمر الإلهي.

من البحث السابق يتضح لنا أنّ القرآن الكريم يبيّن الهدف الحقيقي من هذا الزواج ، وهو إلغاء سنّة جاهلية كانت تقضي بمنع الزواج من مطلّقات الأدعياء، وهذا بنفسه إشارة إلى مسألة كلّية، وهي أنّ تعدّد زواج النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يرمي إلى أهداف لها أثرها في مصير دينه كما يتّضح لنا أنّ الادعاءات التي أراد الأعداء أو الجهلاء إسنادها لهذه الآية لا أساس لها مطلقاً.\


----------------------------------------

المصادر : 

1- القرآن الكريم

2- تفسير مجمع البيان / الطبرسي 

3- تفسير كنز العرفان / المقداد السيوري 

4- الأمثل /  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي