اختيار الشريك في القرآن


السيد هاني البطاط


ذكر المفسرون تعاريف مختلفة للخبيثات ، والخبيثين ، والطّيبات والطيبين  منها:

1- ما رُوي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنهم قالوا المراد بها الكلمات الطيبات للطيبين من الناس، والكلمات الخبيثات للخبيثين من الناس كما يقول المثل ( ينضح الإناء بما فيه ) ويدل عليه قوله تعالى : ( مَثَلُ كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طيّبةٍ ) ، وقوله : ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كشجرة خبيثة ) إبراهيم آية 26 ، 25

2- إن كلمة الخبيثات تعني الأعمال السيئة التي تصدر عن الخبثاء من الناس ، وعلى العكس من ذلك الطيبات تعني الأعمال الحسنة الخاصة بالطيبين من الناس .

3- الخبيثات والخبيثون تعنيان النساء والرجال المنحرفين والفاسقين ، وهم عكس الطيبات والطيبين الخاصتين بالنساء والرجال المتطهرين ، وهو المعنى الأنسب الذي يؤيده ظاهر الآية ، والذي تؤكده القرائن أيضاً، وهذه القرائن هي :

أ - قرينة السياق ؛ لأن هذه الآيات جاءت إثر آيات الإفك ، وبعد آية : ( الزاني لا ينكحُ إلا زانيةً أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحُرِّم ذلك على المؤمنين ) النور آية 3 ، وهذا التفسير ينسجم مع مفهوم تلك الآيات .

ب - إن جملة ( أولئك مبرؤون مما يقولون ) التي تقصد الرجال والنساء الطاهرين من الدنس دليل آخر على صحة هذا التفسير .

ج - قرينة المقابلة لجمع المذكر السالم في ( الخبيثون ) حيث يقصد بها الرجال الخبيثون ، فمن ذلك يعلم أن الخبيثات جمع مؤنث حقيقي ، وتعني النساء اللواتي لا يتصفن بالعفة .

د - إضافة إلى ذلك ما روي عن الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) إن هذه الآية كآية : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله مشهورين بالزنا فنهى الله عن أولئك الرجال والنساء .

والذي يؤيد هذا المعنى ما ورد في روايات كتاب النكاح ، و كيف كان أصحاب الإمام يستفسرون منه أحياناً عن الزواج بالخبيثات فيجيبهم سلباً  كل ذلك يدل على أن المراد من الخبيثين والخبيثات ما يتعلق بالعفة تحديداً وليس العمل أو الكلام السيء .


هل الآية تبيّن حكماً تكوينياً أو تشريعياً ؟

لا شك أن الآية تشير إلى سنة تكوينية ، وأن المخلوقات بطبيعتها تنجذب لنظيرها ، وكل صنو يتبع صنوه ، وكل مجموعة متجانسة ترتاح لأفرادها ، ولكن هذه الآية والآية الأخرى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) تشيران إلى حكم شرعي يمنع الزواج من النساء والرجال الذين اشتهروا بالعمل المخل بالشرف ، وكما ورد في المسألة 184 في كتاب المنهاج 

-اختيار الشريك في روايات أهل البيت (عليهم السلام):

الإسلام يولي الجانب الأخلاقي في اختيار شريك الحياة أهمية فائقة ، ولا بد من اختيار شريك الحياة الصالح سواء من جانب الرجل أو جانب المرأة ، فالتقوى والإيمان هما المقياس والأساس ، وهما الضمان لاستمرار الحياة الزوجية ونجاحها وتكوين أسرة صالحة وإنجاب أبناء صالحين ، وهذا ما نراه مستفيضاً في روايات أهل البيت (عليهم السلام) .

فعلى الرجل أن ينظر نظرة بعيدة يراعي بها حق أولاده في الانتساب إلى أم صالحة تتميز بالعفة وحسن الخلق ، قال الأمام الصادق ( عليه السلام ) : ( تجب على الوالد ثلاث خصال ، اختيار والدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه ) . 

وقد أكدت الروايات على أن يكون الدين والعفة مقياساً لاختيار الزوجة وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشجع على ذلك ، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( عليك بذات الدين تربت يداك ) . وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) محذراً : ( إياكم وخضراء الدّمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدّمن قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ) ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) شبّه المرأة الجميلة التي لا تنحدر من أسرة عفيفة ومتدينة بالنبتة الخضراء النظرة التي تنبت وتترعرع وسط القاذورات فمنظرها جميل جذاب ولكن منبتها ومغرسها سيء.

وقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) اختيار التدين على المال والجمال فقال- عليه السلام- : ( إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وُكِل إلى ذلك وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال ) .

وجاء في رسالة المنهاج للمرجع الديني الأعلى آية الله السيد السيستاني ( دام ظله ) المسألة (2) :

( كما ينبغي للرجل أن يهتم بصفات من يختارها للزواج ، كذلك ينبغي للمرأة وأوليائها الاهتمام بصفات من تختاره لذلك ، فلا تتزوج إلا رجلاً ديّناً عفيفاً ، فعن رسول الله -صلى الله عليه وآله - : ( النكاح رقّ فإذا أنكح أحدكم وليدة قفد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته ) .

-نماذج أخرى للشريكة السيئة:

بالرغم من أن المفهوم الأول للآية يتعلق - كما ذكرنا - بالعفة والشرف ، لأنه يطابق ما جاء في الآيات والاحاديث ، لكن بعض الأحاديث تعطي معنى واسعاً لكلمتي الخبيث والطيب ، ومن الملفت للنظر أن الآية القرآنية -موضوع البحث- قد قدّمت ذكر الطيبات على الطيبين ، مما يدل على عناية خاصة باختيار الأم ؛ لأنها الوعاء الذي ينجب الذرية فإذا طهر الوعاء طهرت الذرية ؛ لذا نجد الشريعة المقدسة حذّرت - وعبر روايات أهل البيت (عليهم السلام) - من الاقتراب من نساء معيّنات وأشارت إلى نماذج ينبغي الابتعاد عنها - إضافة إلى الحديث النبوي الذي حذّر من المرأة الجميلة التي لا تتصف بالعفة والطهارة - مثلاً:

المرأة الحمقاء : وهي المرأة التي لا تحسن التصرف لضعف مستحكم في عقلها حيث بيّنت الروايات الآثار السلبية التي تصيب الأبناء جرّاء الاقتران بها إضافة إلى المشاكل والآلام الأخرى .

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( إيّاكم وتزوج الحمقاء فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع ) ؛ وذلك لانتقال هذه الصفة إلى أبنائها ، ولعدم قدرتها على تربيتهم تربية سوية . 

كما حذّرت روايات أخرى من نساء يتصفن بصفات أخرى ( كالعابسات ، والفاحشات ، البذيئات ، والذميمات ) وغيرهن .

من الآية- موضوع البحث- ، والروايات الشريفة يتبين لنا اهتمام الإسلام بالزواج واختيار الشريك المناسب ، وضرورة التدقيق في الموضوع ودراسته دراسة واعية متأنية ، وعدم الانجرار وراء المظاهر مهما انخدعت بها العيون ، ومالت إليها النفوس لضمان سلامة الأسرة ، وتجنب الأخطاء الفادحة والنتائج المأساوية .


-----------------------------------

المصادر:



1- القرآن الكريم 

2- منهاج الصالحين / الجزء الثالث 

3- مجمع البيان / الطبرسي 

4- تفسير الأمثل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي 

5- الحقوق الاجتماعية / مركز الرسالة 

6- تربية الطفل في الإسلام / مركز الرسالة

7- تربية الأسرة على ضوء القرآن والعترة / السيد عادل العلوي