فإذا كانت الشهادات أوسمة رفيعة على صدور أصحابها يعلوها جميعاً وسام الإمام الحسين الأوّل، ترى ما الذي نستفيده ونستلهمه ونستوحيه من معانيها؟
إن من رام في حياته تحقيق أهداف سامية، وبلوغ نتائج عظيمة لابد له من بذل الجهود، وترويض النفس على الإيمان كي تتهيأ بذلك مقدمات بمستوى تلك الأهداف والنتائج السامية؛ فمن رام بلوغ القمم السامقة لابد أن يوجد في نفسه العزيمة والحيوية الكافيتين، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق النتائج العظمى.
والذي أريد تأكيده هنا فيما يتعلق بنا -نحن المسلمين- في جميع أنحاء العالم، هو إننا لا ينبغي أن نركز ونؤكد فقد على تلك اللحظات الأخيرة من حياة سيد الشهداء عليه السلام ، فعلينا اليوم أن نفهم وندرك معاني حركة الإمام الحسين عليه السلام وحياته وأهدافه، ونعي معها تلك البصائر التي وضع ورسم خطوطها أبو عبد الله الحسين عليه السلام بدمه وجهاده ورسالته الثورية، فلابد لنا من التركيز على هذه البصائر وامتداداتها وأبعادها الواسعة. فنحن حينما نسأل الله وندعوه أن يرزقنا حسن العاقبة، ويوفقنا إلى عاقبة كعاقبة الحسين عليه السلام فعلينا أن نهتم بالبداية الحسنة، والبادرة الطيبة، وإلا فإن الهدف ليس سهل المنال كما قد يتصور أحياناً.
تربية الجيل الحسيني
وبمعنى آخر: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني السمة والمنهج والمسيرة، ويتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، ويقف متحدياً كل المؤامرات والدسائس الاستعمارية، فليس لنا طريق إلى ذلك غير أن ننشأ ونربي جيلاً حسينياً من كل جوانبه، متسلحاً بمبادئ الرسالة والثقافة الحسينية، ومستلهماً منها. فثقافة الحسين عليه السلام هي ثقافة القرآن أيضاً، وثقافة أبيه وجده(، وهي تجسيد حي للثقافة التي تضمنها نهج الجهاد والرسالة والحياة.
ونحن اليوم إذا وجدنا أن هناك في بلد ما نظاماً طاغوتياً متسلطاً، فلنعلم أن من المحال أن يكون هذا البلد قرآنياً، فلابد أن تكون قد حدثت قطيعة بين شعب هذا البلد وبين القرآن الذي تراه مصفوفاً على الرفوف يرقد عليه الغبار والتراب؛ وهذا الواقع المأساوي المرفوض ليس ببعيد عنا، أفلا يكفي أن يكون القرآن في متناول أيدينا وأسماعنا ثم بعد ذلك كله تجد ثقافاتنا بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن؟ أفلا عدنا من جديد إلى ألف باء الإسلام، وإلى تلاوة جزء عمّ وتبارك؟ فالذي يقود حركة الشعوب ونهضتها نحو التحرر والاستقلال والكرامة هو البصائر والرؤى والثقافات التاريخية العريقة التي بنت أمجاد الأمم والتي لا نراها غير البصائر والثقافات القرآنية.
بعد هذا كله دعونا نعود إلى البداية وننطلق منها ثانية، هلموا بنا نربي وننشأ أجيالنا وأطفالنا على تلك الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرم وأهل بيته وما رسموه لنا من خطوط في العمل والمواقف والسياسات.
إذن لابد لنا من أن ننهض نهضة قرآنية حسينية حقيقية تتجسد في واقع حياتنا المعاش، فعندما نتلو القرآن يجب أن نتلوه تلك التلاوة التي تحوّله إلى جزء من حياتنا وواقعنا. فهذا هو كله ما يجب أن نتخذه محوراً في حياتنا كمسلمين حقيقيين، ومؤمنين رساليين، وبذلك تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات حسينية