شيخ القراء صريعا في واقعة الطف



برير ابن خضير الهمداني ... وصف في المصادر بأنه (سيد القراء) وكان شيخاً، تابعياً، ناسكاً، قارئاً للقرآن، ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة، وله في الهمدانيين شرف وقدر. يبدو أنه كان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة. ومن شيوخ الهمدانيين في الكوفة، التحق بالامام الحسين عليه السلام في مكّة وسار معه إلى الكوفة، وقد خطب بمعسكر عمر بن سعد، فأوعظهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فلم يتعظوا، وقد برز إليهم وهو يرتجز ويقول: أنا بريـر وأبـي خضـير ليث يروع الأسد عن الزير يعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم ولا أرى من خير كذلك فعل الخير في برير وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين، وقال حميد بن أحمد في كتاب الحدائق أنه لما بلغه خبر الحسين بن علي عليه السلام سار من الكوفة إلى مكة ليلحق بالحسين عليه السلام فجاء معه إلى كربلاء حتى استشهد بين يديه، وذكر في المناقب لابن شهر آشوب: أنه لما برز برير إلى القوم قتل من القوم ثلاثين رجلا سوى من جرح واستشهد برير وله من العمر تسعون سنة.قال أهل السير: أنه لما بلغ خبر الحسين ( عليه السلام ) سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع بالحسين ( عليه السلام ) فجاء معه حتى استشهد. وقال السروي: لما ضيق الحر على الحسين ( عليه السلام ) جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : " أما بعد، فإن الدنيا قد تغيرت الخ " فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتيهما، ثم قام برير فقال: والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تقطع فيك أعضاؤنا، حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم، وويل لهم ماذا يلقون به الله، وأف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم. وقال أبو مخنف: أمر الحسين ( عليه السلام ) في اليوم التاسع من المحرم بفسطاط فضرب، ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة، وعبد الرحمن بن عبد ربة ،وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما فازدحما أيهما يطلي على أثر الحسين ( عليه السلام )، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه، فقال عبد الرحمن: دعنا، فوالله ما هذه بساعة باطل! فقال برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا، ولكني والله لمستبشر بما نحن لاقون، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم، ولوددت أن ملوا بها الساعة وقال أيضا، روى الضحاك بن قيس المشرقي - وكان بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظن أن المحاماة تدفع عن الحسين ( عليه السلام ) فإن لم يجد بدا فهو في حل - قال: بتنا الليلة العاشرة، فقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون يتضرعون، فمرت بنا خيل تحرسنا، وإن الحسين ليقرأ * ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) فسمعها رجل من تلك الخيل فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون، ميزنا منكم. قال: فعرفته، فقلت لبرير: أتعرف من هذا؟ قال: لا. قلت: أبو حريث عبد الله بن شهر السبيعي - وكان مضحاكا بطالا، وكان ربما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية - فعرفه برير، فقال له: أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين! فقال له: من أنت ؟ قال: برير. فقال: إنا لله عز علي! هلكت والله، هلكت والله يا برير! فقال له برير: هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام! فوالله إنا لنحن الطيبون وأنتم الخبيثون، قال: وأنا والله على ذلك من الشاهدين، فقال ويحك أفلا تنفعك معرفتك! قال: جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي؟ هاهو ذا معي .قال: قبح الله رأيك أنت سفيه على كل حال. قال: ثم انصرف عنا. وروى بعض المؤرخين أنه لما بلغ من الحسين ( عليه السلام ) العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الحسين ( عليه السلام ) في أن يكلم القوم فأذن له، فوقف قريبا منهم، ونادى: يا معشر الناس، إن الله بعث بالحق محمدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفجزاء محمد هذا؟ فقالوا: يا برير، قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطشن الحسين ( عليه السلام ) كما عطش من كان قبله، فقال الحسين ( عليه السلام ) اكفف يا برير، ثم وثب متوكئا على سيفه، فخطبهم هو ( عليه السلام ) بخطبته التي يقول فيها: " أنشدكم الله هل تعرفوني . . . الخ " . وحين برز برير قتل ثلاثين مقاتل من العدو قبل أن يردوه صريعا في واقعة الطف .