زلازل الدنيا وزلزال الآخرة:
الإلف حجاب، بمعنى أن الإنسان قد لا يتوقف متأملاً الأشياء التي ألفها حتى يحدث انقلابًا في معهود الأشياء، حينئذ يشعر الإنسان بحقيقة نعم الله. لنأخذ الزلازل على سبيل التوضيح، حيث نجد أن الناس لا يحسون بنعمة قرار الأرض إلا حينما تميد الأرض من تحتهم. هنا يشعر الجميع بضعفهم الشديد أمام قوة الله التي لا يحدها حدود، فيعلمون أن قرارهم على الأرض مرهون بعناية الله لهم، فيتأكدون أن القوة لله جميعًا، أمام ضربات الزلازل، تعجز قوة البشر مهم تعاظمت، حيث تأتي الضربات بياتًا أو نهارًا. تأتي الزلازل بغتة فلا يفيد التنبؤ في الفرار منها، وكم من مرة تنبأ فيها العلماء بوقوع الزلازل ولم تقع. والزلزلة والزلزال كلمتان توحيان بالرهبة الشديدة، والانقلاب الحاد في معهود الأشياء من فُجاءة الموت ودمار الممتلكات. والناس بعد زلازل الدنيا، يسرعون لإنقاذ من تضرروا من آثار كارثة الزلزال، وربما ينجحون في إنقاذ أنفسٍ قد قاربت على الهلاك. يهرعون طالبين النجدة من بعضهم البعض، فمن يعينهم يوم القيامة حينما تتقطع بهم الأسباب. ولا تضرب زلازل الدنيا الأرض كلها في وقت واحد، أما زلزال الآخرة فيضرب الأرض ضربة تُرج بها رجًّا، وتخرج الأرض بها أثقالها، وأثقال الأرض حديد ونيكل مصهوران، صهارة وحميم. وإذا كان الناس يمشون على سطح الأرض بعد حدوث الزلازل، فكيف يكون حالهم عند حدوث زلزال الآخرة، في وقت تكون أثقال الأرض قد خرجت من جوفها وما يصاحبها من حرارة شديدة. وعقب زلزال الدنيا يقف الناس ليصلحوا ما أفسده الزلزال، أما بعد زلزال الساعة فتوضع الموازين القسط، والوزن حينئذ بمثقال الذرة. يقول تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1-8 ].
فيا أيها الناس زلزال الدنيا بمثابة رسالة تحذير من ربكم، والساعة سوف تأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون.. ومهما تعاظمت زلازل الدنيا، فإن قارئ القرآن يعلم أن الأدهى والأمر هو زلزال الساعة. زلزلة تنسي الوالدة رضيعها، زلزلة ترى الناس سكارى دون أن يتعاطوا خمرًا؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2 ]. والزلزلة والزلزال ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين. والزلازل جند من جنود الله يهلك به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.