إنّ القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يؤسّس لثقافة إنسانية حقّة ذات قيم ومثل عليا، ومن القرآن يمكن للبشرية أن تأخذ خلاصها وسعادتها. وتتمثّل هذه المعالم الإلهية في تحديد الهوية البشرية الجامعة في ثلاث بنيات أساسية:أولاً: البنية العقديةوهي الإيمان بالله تعالى وتوحيده ونفي كلّ الشركاء والأنداد الوهمية الماثلة في وعي الإنسان وسلوكه.ثانياً: البنية الإنسانيةونعني بها ما يحقّقه القرآن الكريم من الثقافة في الجانب الإنساني في جميع أبعاده المرتبطة بالقيم والمثل والمبادئ العليا التي فطر الله الناس عليها، والتي على أساسها تختفي جميع الفوارق الطبقية العنصرية والمذهبية والقومية ونحوها من أشكال التمييز المختلفة وبجميع مستوياتها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات/13).ثالثاً: البنية المعنوية والروحيةتعجّ الثقافة المعاصرة اليوم باللّون المادي الصارخ، الذي أمات كلّ القيم والمعايير التي تحفظ قيم الإنسان وكرامته، وأصبحت البهارج المادية والشهوات الزائلة والتنكر للمعنويات والروحية ـ التي فطر عليها الإنسان - هي الأدبيات الأولى في ثقافة الإنسان المعاصرة، حتى غابت عن أفكار الإنسان وسلوكياته، وهكذا مُسخ الإنسان وجُرّد من ثوبه الحقيقي، بفعل التزريق الوهمي للثقافة العصرية.وفي وسط هذا التيه والتخبط الأعمى ـ اللذين يعيشهما الإنسان المعاصر ـ نجد أنّ الوحي الإلهي يدعو لتكوين ثقافة يعيشها الإنسان على ضوء الحياة الأبدية الدائمة؛ لأنّه دعوة للإيمان بالغيب الإلهي، الذي يفتح له آفاق التكامل في حياته، قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة/3_5).