الصراع الكوني في المنظور القرآني


من سُنة الحياة نشوء حضارات، تنمو وتسود، ثم تتدهور وتسقط وتُباد، نتيجة الصراع والحركة، والتناقض واختلال التوازن ولكن ما هي أبعاد هذا الصراع الحضاري؟ الجواب: بمجرد أن نرجع إلى واقعة خلق آدم – جدّنا الأوحد – سنلتقي برأس الجذر الذي هو السبب الأساس لكلّ الصراعات الدائرة بين البشر، وتحديدًا في هذه القصة القرآنية الآتية:- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ....- {اسْجُدُواْ لآدَمَ....- {فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.....- {وَقُلْنَا:- {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}. - {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.إلى آخر القصة المعروفة.الصراع في أول لحظة، منذ بداية هذه الحادثة الكونية، ذلك هو جوهر الحياة البشرية وتميزها عن الحيوات الأدنى أو الأرقى.إنَّ هذا الصراع الأزلي الذي يطرحه الفكر القرآني الكريم على كلّ المساحات والأبعاد، وهذا التفاعل المتضاد بين آدم والشيطان، إلى آفاق يتعدى فيها إلى مستوى الكون والطبيعة متوغّل في صميم تركيبها، وعلى مستوى الإنسان والبشرية قائم في مدى علاقاتهما جميعا.في الكون والطبيعة هنالك التقابل الإزدواجي الشامل بين السالب والموجب، والتركيب الإزدواجي المستقطب الذي يتجاوز عوالم الحياة على اختلاف درجاتها إلى صميم المادة. وهو في كل الأحوال والأوضاع مصدر التوليد والتكاثر والإتساع والحركة الإيجابية الهادفة التي تؤول إلى ديمومة الإتساع الكوني الذي يتم بإرادة الله سبحانه من خلال النواميس والقوانين الطبيعية الدقيقة المعجزة القائمة على هذا التحاور والتقابل بين (الإزواج) سلبًا وإيجابًا، والذي يجيء مصداقًا لما أعلن عنه القرآن الكريم {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} وغيرها.إنّ أصغر ما هو موجود في الطبيعة، هو أنموذج حقيقي مصغّر لأعظم شيء مادي في الكون، ألا وهو (الذّرة) والصراع الداخلي فيها. لكن إنْ آلت إلى عمل الخير وفق فطرتها، أكرمتنا بالطاقة الإيجابية البناءة، وإنْ كان العكس -أعاذنا الله- قد تتحول إلى عذاب وهلاك نتيجة الخروج عن فطرتها، وقد يحدث ذلك بسبب جرم الإنسان نفسه.