الوقف الكافي: تعريفه حكمه وعلامتهقال أبو عمرو الداني: اعلم أن الوقف الكافي هو الذي يحسن الوقف عليه أيضاً والابتداء بما بعده غير أنّ الذي بعده متعلق به من جهة المعنى دون اللفظ. [المكتفي للداني ص 143]وتعريف المتأخرين له: هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها من حيث اللفظ، وتعلّق بها أو بما قبلها من حيث المعنى. [معالم الاهتداء للحصري ص 28]وأكثر ما يكون هذا الوقف في رؤوس الآي ويكثر في أثنائها، « ومن أمثلته في رؤوس الآي الوقف على كلمة ?يَعْقِلُونَ? في قوله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أكثرهُمْ لا يَعْقِلُونَ? (الحجرات /4)، وإنما كان الوقف هنا كافياً لأن الآية بعدها وهي: ?وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إليهمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? لا تعلّق لها بما قبلها من حيث اللفظ باعتبارها جملة مستأنفة ولها تعلّق بما قبلها من حيث المعنى لأن الآيات كلها مسوقة لبيان مقامه (ص) الرفيع ومكانته السامية عند الله تعالى ... فنظراً لوثيق الصلة بين معاني الآيات كان الوقف على ?يَعْقِلُونَ? كافياً ». [ن.م. أيضاً]ومن أمثلته في وسط الآي: الوقف على ?نُفُوسِكُمْ? في قوله تعالى: ?رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ...? (الإسراء/25) فالوقف على ?نُفُوسِكُمْ? كاف لأن قوله تعالى بعدها: ?إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فإنه كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا? جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب وقعت جواباً عن سؤال نشأ من الجملة قبلها، فإنه تعالى لما أمر بالبر بالوالدين والإحسان إليهما وحذر من عقوقهما كان لسائل أن يسأل إذا بدرت من الإنسان بادرة أو وقعت منه زلّة فهل ذلك من العقوق؟ فأجيب بقوله تعالى: ?إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فإنه كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا? أي إن تكونوا صادقين في البر بوالديكم وتوقيرهما والحنوّ عليهما والقيام بحقوقهما والنأي عن عقوقهما ثم بدرت منكم جفوة لهما أو زلّة في حقّهما واستغفرتم الله ممّا فرط منكم ورجعتم إلى والديكم تائبين طائعين فإنّ الله تعالى من رحمته بعباده يقبل توبتكم ويغفر لكم ما بدر منكم.وبهذا البيان يتضح أنّ جملة ?... إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ...? مرتبطة بما قبلها معنى لا لفظاً فحينئذٍ يكون الوقف على ?نُفُوسِكُمْ? كافياً. [معالم الاهتداء للحصري ص 29]حكمه: يُحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يتعيّن الوقف عليه بل يجوز وصلها بما بعدها كالوقف التامّ المطلق غير أنّ الوقف على التامّ يكون أكثر حسناً من الوقف عليه وسمّي كافياً للاكتفاء به عما بعده واستغناءه عنه لعدم تعلقه به من جهة اللفظ وإن تعلق به من جهة المعنى. وهو أكثر الوقوف الجائزة وروداً في القرآن الكريم. [غاية المريد لعطية قابل نصر ص 228]وعلامته: وضع حرف الجيم هكذا «ج» على الكلمة الموقوف عليها كما في الآية الكريمة ?... لا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ...? (المائدة/95) أو وضع كلمة «صلى» على الكلمة الموقوف عليها كما في قوله تعالى: ?وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي...? (المائدة /110) وكلمة «صلى» منحوتة من عبارة (الوصل أولى من الوقف) وغير الأولى الجائز فعلم أنه كما يجوز وصله يجوز الوقف عليه والابتداء بما بعده. [ن. م ص 229]أربع فوائد حول الوقف الكافي:1- قد يتفاضل في الكفاية كتفاضل التامّ نحو قوله تعالى: ?فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ? كافٍ ?فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا? أكفى منه ?بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ? (البقرة/10) أكفى منهما. وأكثر ما يكون التفاضل في رؤوس الآي نحو: ?أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ? كافٍ ?وَلَكِن لا يَعْلَمُونَ? (البقرة/113) أكفى منه. ونحو: ?وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ? كافٍ ?إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? (البقرة/93) أكفى منه [النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج1 ص 228]، ونحو: ?رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا? كافٍ ?إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ? (البقرة/127) أكفى منه. [ن.م. أيضاً]2- قد يكون الوقف كافياً على تفسير أو إعراب ويكون غير كافٍ على آخر نحو: ?... يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر َ...? (البقرة/102) كافٍ إذا جعلت ?مَا? بعده نافية فإن جعلت موصولة كان حسنا فلا يبتدأ بها، ونحو: ?وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ? (البقرة/4) كافٍ على أن يكون ما بعده مبتدأ خبره ?عَلَى هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ? (آية /5) وحسن على أن يكون ما بعده خبر ?الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ? أو خبر ?الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ?.[ ن.م. أيضاً]3- قد يكون الوقف كافياً على قراءة وغير كافٍ على أخرى نحو قوله تعالى: ?وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ? (البقرة/139) كافٍ على قراءة من قرأ بعدها ?أَمْ تَقُولُونَ ...? (آية/140) بالغيبة، وجائز على قراءة من قرأ بالخطاب. ونحو قوله عزّ وجلّ: ? ... يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ ... ? كافٍ على قراءة من رفع ?... فَيَغْفِرُ ويُعَذِّبُ ...? وحسنٌ على قراءة من جزمهما. ونحو قوله تعالى: ?يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ ...? (آل عمران/171) كافٍ على قراءة من كسر همزة ?وَأَنَّ? بعدها وحسن على قراءة الفتح. [ن.م. أيضاً]4- قد يتأكد الوقف على الكافي لبيان المعنى المقصود كالوقف التامّ اللازم فمن ذلك الوقف على قوله: ?... وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ? (البقرة/8) والابتداء بقوله ?يُخَادِعُونَ ...? لأن قوله: ?وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ? منكّر والجملة بعد المنكّر تتعلق به فلو وصل صار التقدير: وما هم بمؤمنين مخادعين فينتفي الوصف عن الموصوف فينتقض المعنى، لأنَّ المراد نفي الإيمان عنهم وإثبات الخداع لهم. ومنه قوله تعالى: ?زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ ...? (البقرة/212) والابتداء بقوله: ?وَالَّذِينَ اتَّقَوْاْ ...? وهو مبتدأ و ?فَوْقَهُمْ? خبره ولو وصل صار ظرفاً لـ ?وَيَسْخَرُونَ? أو حالاً لفاعل يسخر وقبحه ظاهر. ومنه قوله تعالى: ?لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ? (المائدة/73) والابتداء بقوله: ?وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ ...? لأنه يوهم السامع أنّه من قول النصارى الذين يقولون بالتثليث وليس كذلك. [القول المفيد لمحمد مكي نصر ص 205].