مسائل هامّة تتعلق بالوقوفالمسألة الأولى:قول أئمة الوقف: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا على الفعل دون الفاعل ولا على الفاعل دون المفعول، ولا على المبتدأ دون الخبر، ولا على نحو كان وأخواتها وأنّ وأخواتها دون أسمائها، ولا على المنعوت دون النعت، ولا على المعطوف عليه دون المعطوف، ولا على القسم دون جوابه ولا على حرف دون ما دخل عليه إلى آخر ما ذكروه وبسطوه من ذلك، إنّما يريدون بذلك الجواز الأدائي، وهو الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة، ولا يريدون بذلك أنّه حرام ولا مكروه ولا ما يؤثم، بل أرادوا بذلك الوقف الاختياري الذي يبتدأ بما بعده، فمعنى «لا يجوز الوقف على كذا»، لا يحسن الوقف عليه تلاوة وأداء فالوقف عليه يسلب التلاوة حسنها والقراءة روعتها وبهاءها، كذلك يريدون بقولهم « لا يوقف على كذا » أو « لا يصح الوقف على موضع كذا » أو «إن موضع كذا ليس محلاً للوقف » يريدون بهذا القول إنّ هذا الموضع إذا وقف عليه لا يصح البدء بما بعده، كما أن قولهم « يجوز الوقف على موضع كذا» معناه أنّه يصحّ الابتداء بما بعده ذلك إنّ كلّ ما أجازوا الوقف عليه أجازوا البدء بما بعده، وكلّ ما لم يجيزوا الوقف عليه لم يجيزوا البدء بما بعده [معالم الاهتداء للحصري ص 71 و 72]، كما أن قولهم ذلك لا يريدون به أنه لا يوقف على موضع كذا و و... البتة، فإنه حيث اضطرّ القارئ إلى الوقف على شيء من ذلك باعتبار قطع نَفس أو نحوه من تعليم أو اختبار جاز له الوقف بلا خلاف عند أحد منهم، ثم يعتمد في الابتداء ما تقدم من العود إلى ما قبل فيبتدئ به، اللهم إلاّ من يقصد بذلك والعياذ بالله تحريف المعنى عن مواضعه وخلاف المعنى الذي أراد الله تعالى، فإنه يحرم عليه ذلك ويجب ردعه بحَسَبِه على ما تقتضيه الشريعة المطهرة. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/231. 230]وقصارى القول إنّ قول علماء الوقف: لا يجوز الوقف على كذا أو لا يصحّ على كيت ... معناه أنّ هذا الموضع ليس محلاً للوقف الاختياري الذي يبتدأ بما بعده، وهذا لا يمنع في الوقف عليه لضرورة، كغلبة عطاس و... ثم يوصل بما بعده.المسألة الثانية:ليس كلّ ما يتعسفه [التعسّف في الكلام: أخذه على غير هداية ولا دراية وتكلّف منه حمله على معنىً لا تكون دلالته عليه ظاهرة. أقرب الموارد 2/781.] بعض المعرِّبين، أو يتكلّفه بعض القرّاء، أو يتأولّه بعض أهل الأهواء، ممّا يقتضي وقفاً أو ابتداءً ينبغي أن يتعمد الوقف عليه، بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ والوقف الأوجه وذلك نحو الوقف على قوله تعالى: ?وَارْحَمْنَا أَنتَ? (البقرة/286) والابتداء بـ ?مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ? على معنى النداء، ونحو الوقف على قوله تعالى: ?يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكَْ? (لقمان/13) ثم الابتداء ?بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ? على معنى القسم ونحو الوقف على ?حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ? (البقرة/158) والابتداء ?عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا?، وهذا خلاف أسباب النزول، ونحو ?فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً? (الروم/47) والابتداء بـ ?عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ?، ونحو الوقف على ?وَهُوَ اللهُ? (الأنعام/3) والابتداء ?فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأََرْضِ? وأشد قبحاً من ذلك في نفس الآية الوقف على ?فِي السَّمَاوَاتِ? والابتداء ?وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ ...? ونحو الوقف على ?تمشي? في قوله تعالى: ?فَجَاءَتْهُ إحداهما تَمْشِي? (القصص/24)، ثم الابتداء ?عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ ...? وأمثلة أخرى.فهذه الوقوف التي يرتكبها المتعسفون بعضها تنافي أسباب النزول والأحاديث الشريفة الواردة فيها ومخالفة لقواعد اللغة العربية وأساليب القرآن ومعانيه السامية، وفي بعضها إيهام وإفساد في المعنى لا مجال هنا للتفصيل فيها، فعلى القارئ الذي يحرص كل الحرص على أن يعرض القرآن الكريم في أبهى حلله وأبهج مظاهره أن يتجنب هذه الوقوف وأشباهها، لما فيها من التصنّع والتكلّف، والتمحّل والتعسّف، والتحريف للكلم عن مواضعه كل ذلك يُذهب برونق القراءة وروعة التلاوة وجلال الأداء.المسألة الثالثة:يُغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك وفي حالة جمع القراءات، وقراءة التحقيق والترتيل ما لا يغتفر في غير ذلك، فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر ولو كان لغير ذلك لم يُبح وهذا الذي يسمّيه « السجاوندي » الوقف المرخّص ضرورة ومَثَّلَهُ بقوله تعالى: ?وَالسَّمَاءَ بِنَاءً? (البقرة/22 و غافر/64)، والأحسن تمثيله بقوله تعالى ?قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ? (البقرة /177)، وبنحو ?وَالنَّبِيِّينَ?، وبنحو ?وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ?، وبنحو ?عَاهَدُواْ? (البقرة/177)، ونحو كلٍّ من ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ... ? (النساء/23)، ويستمر الموضوع إلى ?... إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ? من الآية 24، إلاّ أنَّ الوقف على آخر الفاصلة (الآية) قبله أكفى يعني على كلمة ?رَّحِيمٌ?، ونحو كلٍّ من فواصل سورة المؤمنون ?قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ? (آية/1) إلى آخر القصة وهو ?هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ? (آية/11)، ونحو فواصل سورة ص: ?ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ? (آية/1) إلى قوله ?إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ? (آية/14) فإنه جواب القسم، ونحو ذلك الوقف على فواصل سورة الشمس ?وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا? (آية/1) إلى ?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا? (آية/9)، ولذلك أجيز الوقف على ?لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ? (الكافرون /2) دون ?قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ? (آية/1) وعلى ?اللهُ الصَّمَدُ? دون ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ?. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 236]ولكن نقل الأشموني عن الكواشي: أنّ طول الفواصل والقصص لا يعتبر عذراً مبيحاً للوقف قبل تمام الكلام، بل ينبغي للقارئ أن يقف حيث ينتهي نفسه أو يضيق ثم يبتدئ من أول الكلام ويصل بعضه ببعض حتّى يقف على موضع يسوغ الوقف عليه. [منار الهدي للأشموني ص 9]وقال صاحب المستوفي جمال الدين أبو سعد علي بن مسعود الزغاني: والنحويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التامّ فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقفٌ تامٌّ، حَسُن الأخذ بالنّاقص كقوله تعالى ?قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ...? (الجن/1) الى ?... فَلا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً? (آية/18) إن كسرت بعدها (يعني بعد أوحي) إنّ، فإنْ فتحتها فإلى قوله ?كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً? (آية/19). [كتاب البرهان للزركشي 1/437]ويحسن الوقف الناقص بأمور منها:أن يكون لضرب من البيان كقوله تعالى: ? وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَاً ? (الكهف/1)، فإنّ الوقف هنا يبين أن ? قَيِّماً ? منفصل عنه، وأنه حالٌ في نيّة التقديم، وكقوله تعالى: ? وَبَنَاتُ الأُخْتِ ? (النساء /23) ليفصل به بين التحريم النسبي والسببي ...، ومنها أن يكون الكلام مبنّياً على الوقف فلا يجوز فيه إلا الوقف صيغة كقوله تعالى ? يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ ? (الحاقة/25) و ? وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ ? (آية/26). [ن.م. ص 441- 442]وقال ابن الجزري: كما اغتفر الوقف لما ذكر - من طول الفواصل - قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل، وإنْ لم يكن التّعلّق لفظياً، نحو قوله تعالى: ?وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ? (البقرة/87) لقرب الوقف على ?بِالرُّسُلِ? وعلى ?الْقُدُسِ? ونحو قوله تعالى ?مَالِكَ الْمُلْكِ? (آل عمران/26) لم يغفروا القطع عليه لقربه من ?تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ? وأكثرهم لم يذكر ? تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ ? لقربه من ?وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ?، وكذا لم يغفر كثير منهم الوقف على ? وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ ? لقربه من ?وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ? وبعضهم لم يرضَ الوقف على ?وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ? لقربه من ?بِيَدِكَ الْخَيْرُ? وكذا لم يرضوا الوقف على ?تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ? (آل عمران/27) وعلى ?وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ? لقربه من ?وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ? ومن ?وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ? وقد يغتفر ذلك في حالة الجمع وطول المدّ وزيادة التحقيق وقصد التعليم فيلحق بما قبل لما ذكر بل قد يحسن. كما أنّه إذا عرض ما يقتضي الوقف من بيان معنى أو تنبيه على خفيّ، وقف عليه وإن قصر بل ولو كان كلمة واحدة ابتدئ بها كما نصوا على الوقف على ?بَلَى? و ?كَلاّ? ونحوهما مع الابتداء بهما لقيام الكلمة مقام الجملة. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 237]المسألة الرابعة:قال الإمام ابن الجزري: ربّما يراعى في الوقف الازدواج فيوصل ما يوقف على نظيره ممّا يوجد التمام عليه وانقطع تعلّقه بما بعده لفظاً وذلك من أجل ازدواجه [ن.م. ص 237]، يعني أنّه قد يجتمع في الآية جملتان تكون كلّ واحدة منهما مستقلّة عن الأخرى في المعنى، ولا يكون بينهما تقابل أو تعادل فإذا كانت الجملتان بهذه المثابة فلا يوقف على الأولى منهما بل توصل بالثّانية ويكون الوقف عليها، نحو قوله تعالى: ?مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا? (فصلت/41 و الجاثية/15)، فالجملة الأولى ?مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ? مستوفية ركني الإسناد وتامّة المعنى غير متعلّقة بالجملة الثّانية لفظاً، ويوقف على مثلها ولكن لا يوقف عليها لوجود التقابل بين الجملتين، وذلك أنّ ?مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً? في الأولى يُقابله ?وَمَنْ أَسَاءَ? في الثّانية و ?فَلِنَفْسِهِ?، في الأولى يُقابله ?فَعَلَيْهَا? في الثّانية، ومثل هذا قوله تعالى: ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ? (البقرة/286)، وذلك أنَّ ?لَهَا? في الأولى يقابله ?وَعَلَيْهَا? في الثّّانية، و ?كَسَبَتْ? في الأولى يقابله ?اكْتَسَبَتْ? في الثّانية، لأن كسب يستعمل في الخير واكتسب يستعمل في الشرّ غالباً، كانت هذه أمثلة للتّقابل، ومثال ما يكون بينهما التّعادل قوله تعالى: ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ? (البقرة/134)، وقوله تعالى: ?فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثم عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ? (البقرة/203)، وقوله تعالى ?تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ? (آل عمران/27)، هاتان الجملتان متعادلتان ?وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ? (آل عمران/27) وهاتان متعادلتان أيضا [معالم الاهتداء للحصري ص 162و 163]، إنّ وصل الجملة الأولى بالثّانية اختيار نصير بن محمد [نُصير بن محمد، يبدو أن «محمد» هو «يوسف» فالمشار إليه هو نصير بن يوسف أبو المنذر النحوي الرازي البغدادي له كتاب «وقف التمام» توفي في حدود سنة (240هـ) وهو تلميذ الكسائي، وقيل صاحب الكسائي والأصمعي وأبا زيد. ابن النديم الفهرست ص 89 ؛ انباء الرواة للقفطي 3/347] ومن تبعه من أئمة الوقف. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/237]يقول الأشموني: والأولى الفصل والقطع بين الفريقين ولا يخلط أحدهما مع الآخر بل يقف القارئ على الأولى ثم يبتدئ بالثاني. [منار الهدي ص 19]كان هذا رأي كلّ من نُصَيْر النحويّ والأشموني فنجمع بين الرأيَيْن، ونقول: إنّ الجملتَيْن إذا كانتا قصيرتَيْن يحسن وصل الأولى والوقف على الثّانية، نحو: ?مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا? و ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ?، أمّا إذا كانتا طويلتين فيحسن الوقف على كلٍّ منهما، لأنّ نَفس القارئ قد لا يتّسع لكلتا الجملتين فيقف في أثناء الثّانية، وقد يُفضي ذلك إلى تغيير المعنى كقوله تعالى في سورة النور: ?الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ? (آية/26)، فإذا وصل القارئ ?لِلْخَبِيثَاتِ? فقد يضيق نَفَسه فيقف على ? وَالطَّيِّبَاتُ ?، فيترتب على ذلك فساد معنى النظم الكريم إذ يصير المعنى والخبيثون للخبيثات والطيّبات، ولا يخفى على أحد فساده، ومثل ذلك قوله تعالى: ?لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى? (الرعد/18) فإذا وصل القارئ قوله تعالى ?الْحُسْنَى? فقد يضيق نَفَسَه فيقف على ?وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ? فيفسد المعنى حينئذ، لأنه يصير هكذا (للذين أطاعوا ربهم الحسنى) - وهي الجنّة - والذين لم يطيعوه كذلك، أي لهم الجنّة أيضاً، وهو معنى واضح البطلان، إذ لا تسوية بين الفريقين في الجزاء. قال عزّ من قائل: ?أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأََرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ? (سورة ص/28). المسألة الخامسة:قد يجيزون الوقف على حرف ويجيز آخرون الوقف على آخر، ويكون بين الوقفَيْن مراقبة على التضادّ، فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، كمن أجاز الوقف على ?لا رَيْبَ? (البقرة/2)، فإنه لا يجيزه على ?فِيهِ?، والذي يجيزه على ?فِيهِ? لا يجيزه على ?لا رَيْبَ?، ويسمّى هذا النوع من الوقف وقف « المعانقة » أو«المراقبة»، سمّي بالمعانقة لمعانقة كلّ من الكلمتين الكلمة الأخرى واجتماعهما معاً في موضع واحد وسمّي بالمراقبة لأن القارئ حين قراءته يراقب الموضع الذي اجتمع فيه هاتان الكلمتان، ليقف على إحداهما، أو لأنَّ السّامع يرقب القارئ ويلاحظه حين قراءته ليعرف الكلمة التي يقف عليها، وليرشده إلى الوقف على إحدى الكلمتَيْن إذا وقف عليهما معاً. [معالم الاهتداء للحصري ص 40] وعلامته ثلاث نقاط متتالية توضعان على الموضعَيْن ففي القرآن خمسة وثلاثون موضعاً من هذا النوع. [نهاية القول لمحمد مكي نصر ص 222]ومن أمثلته قوله تعالى: ?قَالَ فإنها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً? (المائدة/26)، ففي هذه الآية كلمتان وهما ?عَلَيْهِمْ? و ?سَنَةً? ويصح الوقف على كلّ منهما، لكن إذا وقف على ? عَلَيْهِمْ ? امتنع الوقف على ? سَنَةً ? بل يجب وصلها بما بعدها وإذا أريد الوقف على ?سَنَةً?، امتنع الوقف على ?عَلَيْهِمْ? أو الابتداء منه، يجب أن يستأنف تلاوته بعد كلمة ?سَنَةً?.المسألة السادسة:قال بدر الدين الزركشي: إنّ جميع ما في القرآن من ?الَّذِينَ? و?الَّذِي? يجوز فيه الوصل بما قبله نعتاً له والقطع، على أنّه خبر لمبتدأ إلاّ في سبعة مواضع فإنّ الابتداء بها هو المتعيّن. [البرهان للزركشي 1/434]الأول: قوله تعالى: ?الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ? (البقرة/121).الثاني قوله: ?الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ? (البقرة/146).الثالث: ?الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ? (سورة الأنعام/20).الرابع قوله: ?الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ ...? (البقرة/275).الخامس قوله: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ ْ... أَعْظَمُ دَرَجَةً? (التوبة /20).السادس قوله: ?الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ... أولئك شَرٌّ مَّكَاناً ? (الفرقان/34).السابع قوله: ? أَنَّهُمْ أصحاب النَّارِ ، الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... ? (غافر/6 و 7) نفهم من كلام الزركشي أنّ كلّ ما وقع في القرآن من هذَيْن اللَّفظَيْن يجوز فيه الوجهان السابقان، سواء وقع كلُّ منهما في صدر الآية أم في أثنائها، وليس الأمر كذلك فإنّ ما وقع في أثناء الآية لا يجوز الوقف على ما قبله، بل يتعيّن وصله به نحو: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ? ونحو: ? مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ? (البقرة/255)، فحينئذ يتعين حمل كلامه على ما يكون في صدر الآيات من اللفظَيْن، ففي الآيات السبع وجب الوقف على ما قبل الموصولات والابتداء بها، لأنّ وصلها بما قبلها يوهم كونها نعتاً له وهذا ينافي المعنى المراد، كما يظهر بالتّأمّل في الآيات المذكورة والاسم الموصول في الآيات الأولى حتى الخامسة بالإضافة الى السَّابعة، يتعين أن يكون في محل رفع على الابتداء، وأما في الآية السّادسة فيحتمل أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير: « هم الذين » أو على أنّه مبتدأ واسم الاشارة بعده ? أُوْلَئِكَ ? بدل منه أو بيان له وخبره ?شَرٌّ? أو اسم الاشارة مبتدأ ثان وشرٌّ خبره، والجملة خبر الموصول.وبهذا نجد كلام الزركشي عندما قال: « والقطع على أنه خبر مبتدأ محذوف » لا يتحقق إلاّ في الآية السادسة. المسألة السابعة:في حكم الوقف على المستثنى منه:الاستثناء كما نعرف على ضرْبَيْن: متصل ومنقطع، فالاستثناء المتصل يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، أمّا الاستثناء المنقطع كما نعرف يكون فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه فلا يصح الوقف قبل الإتيان بالمستثنى إن كان الاستثناء متّصلاً، بل يجب وصله بالمستثنى منه لتحقق الفائدة المقصودة من الكلام، ومن أمثلته: ?فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِّنْهُمْ? (البقرة/249) المستثنى منه الواو في ?فَشَرِبُوا? والمستثنى ?قَلِيلاً?، وهو من جنس المستثنى منه إذ المراد من المستثنى منه جنود طالوت، والمراد من المستثنى بعض هؤلاء الجنود فلا يجوز الوقف على ?فَشَرِبُواْ? ولا على ?مِنْهُ?، لأن الوقف على أحدهما يوقع ذهن السامع أن الشرب تحقق من جميع الجنود وهذا خلاف ما أراده الله، فالواجب وصل المستثنى بالمستثنى منه تقريراً للواقع ودفعاً للمعنى الباطل الذي لم يكن مراداً من الآية.ومن أمثلته أيضاً: ?وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ? (النور /31)، لا يصح الوقف على ?زِينَتَهُنَّ? وهو المستثنى منه، لأن الوقف عليه يتبادر إلى الذهن أنّ النّهي يشمل جميع أنواع الزينة ظاهرها وخفيّها، وليس المقصود من الآية هذا المعنى، فيتحتم على القارئ وصل المستثنى منه بالمستثنى ليكون المعنى المقصود واضحاً لا إبهام فيه.وأمّا إن كان الاستثناء منقطعاً ففي الوقف على المستثنى منه دون المستثنى ثلاثة مذاهب:المذهب الأول: الجواز مطلقاً سواء صرح بالخبر أم لا:قال ابن الحاجب (ت: 646هـ): وجه من جوّز الوقف مطلقاً أنّه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه فكان مثل قولك: زيدٌ لمن قال: من أبوك؟ ألا ترى أنّ تقدير المنقطع في قولك: ما في الدار أحدٌ إلاّ الحمار: لكن الحمار في الدار، ولو قلت « لكنّ الحمار » مبتدئاً به بعد الوقف على ما قبله لكان حسناً ألا ترى إلى جواز الوقف بالإجماع على مثل قوله تعالى: ?إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً? (يونس/44) والابتداء بقوله تعالى: ?وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ? فكذلك هذا. [الأمالي النحوية لأبي عمرو عثمان المعروف بابن الحاجب تحقيق الدكتور عدنان صالح مصطفي، ص 275، دار الثقافة – قطر الطبعة الأولي سنة 1406هـ - 1986م]المذهب الثاني: المنع مطلقاً:قال ابن الحاجب أيضاً: ووجه من قال بالمنع (مطلق) ما رأى من احتياج الاستثناء المنقطع الى ما قبله لفظاً ومعنى. أمّا اللفظ فلأنه لم يعهد استعمال «إلاّ» وما في معناها إلاّ متصلة بما قبلها لفظاً ألا ترى أنّك إذا قلت: ما في الدار أحدٌ غير حمارٍ، فوقفت على ما قبل «غير» وابتدأت به لكان قبيحاً فكذلك هذا، وأمّا المعنى، فلأن ما قبله مشعر بتمام الكلام في المعنى فإنّ قولك: ما في الدار أحدٌ إلا الحمار هو الذي صحّح قولك إلاّ الحمار، ألا ترى أنّك لو قلت إلاّ الحمار على انفراده كان خطأ. [ن. م. ص أيضاً.]المذهب الثالث: التفصيل:قال ابن الحاجب في أماليه: يجوز إن صرّح بالخبر ولا يجوز إن لم يصرّح به، لأنّه إذا صرح بالخبر استقلّت الجملة واستغنت عما قبلها وإذا لم يُصرَّح به كانت مفتقرة إلى ما قبله [ن. م. ص أيضاً]، يعني إذا كان الخبر مصّرحاً به جاز الوقف لأن جملة المستثنى حينئذ مستقلّة ومستغنية عما قبلها وإذا لم يصرح بالخبر لم يجز الوقف، لأنّ جملة المستثنى حينئذ تكون مفتقرة الى ما قبلها.ومن أمثلة الاستثناء المنقطع الذي لم يصرح فيه بالخبر قوله تعالى: ?وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ? (البقرة/78)، ووجه كون الاستثناء هنا منقطعاً أنّ الأماني جمع أمنية، والأمنية في الأصل كلّ ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر، ولذلك تطلق على ما يتمنّاه الإنسان، وعلى الكذب، وقد أشار الى هذا المعنى الراغب في باب منى والآلوسي في تفسيره ...، فالاستثناء هنا منقطع وعلى هذا « إلاّ » بمعنى لكنّ المشدّدة والخبر محذوف والتقدير لكن أماني أي: أكاذيب أخذوها تقليداً من شياطينهم المحرفين وتلقوها من رؤسائهم المضلّلين فاعتمدوها.ومن أمثلة الاستثناء المنقطع الذي صرح فيه بالخبر قوله تعالى:? إِلا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ? (الانشقاق/25)، ووجه كونه منقطعاً أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليسوا من جنس من عاد عليهم الضمير في قوله تعالى: ?فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ? وهم الكافرون المكذبون في الآية وعلى هذا ? إِلا ? بمعنى لكن المخفّفة، والاسم الموصول ? الَّذِينَ ? مبتدأ وجملة ?آمَنُوا ? صلة الموصول وجملة ?وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ? عطف على الصلة وجملة ?لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ? خبر المبتدأ.المسألة الثامنة:الوقف على بعض الكلمات المتداولة في القرآن الكريم:أ: في حكم الوقف على ? بَلَى ?:للقرّاء مقاييس يقيسون بها الوقف على كلمات مخصوصة من القرآن الكريم، منها المقياس البلاغي القرآني فلفظة ?بَلَى? هي من الكلمات التي لها صلة بالبلاغة من ناحية مدلولها، ووقع فيها الخلاف حالة الوقف عليه. [الكشف عند أحكام الوقف والوصل في العربية، للدكتور محمد سالم محسن، دار الجيل بيروت - الطبعة الأولى 1412هـ - 1992م، ص52]بلى: حرف جواب يجاب به عن كلام قبلها، وتختص بالنفي بمعنى أنّها لا تقع إلاّ بعد كلام منفي فلا تقع بعد كلام مثبت إلاّ في النزر اليسير، وهي تفيد، إبطال النَّفي عمّا قبلها وتقرّر نقيضه، مثال ذلك قوله تعالى: ?زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ? (التغابن/7)، فلفظ ? بَلَى ? في هذه الآية أفاد إبطال نفي البعث وإذا بطل نفي البعث ثبت البعث وحينئذ يكون قوله تعالى ? وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ? تصريحاً بما أفادته ?بَلَى? من إبطال النّفي المتقدِّم، وقد وقعت في اثنين وعشرين موضعاً من القرآن الكريم في ست عشرة سورة، ولفظ ?بَلَى? من الأمور التي دار حولها الجدل والخلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، وأفردوا لها مصنفات خاصة بها وملخص الخلاف الذي دار حولها أن العلماء قسّموها ثلاثة أقسام:- القسم الأول:ما يختار فيه كثير من القرّاء الوقف عليها لأنها تقع جواباً لما قبلها وليس لها تعلّق بما بعدها وذلك في عشرة مواضع.- القسم الثاني:ما لا يجوز الوقف عليها لتعلّق ما بعدها بها وبما قبلها وذلك في سبعة مواضع.- القسم الثالث:ما اختلفوا في جواز الوقف عليها والأحسن المنع، لأن ما بعدها متصل بها وبما قبلها وذلك في خمسة مواضع. ولكن بعد دراسة ? بَلَى ? في آيات القسم الثالث يتبيّن أنّ الحقّ الذي يجب أن يؤخذ به ولا يعدل عنه في المواضع الخمسة هو الوصل يعني أنه لا يجوز الوقف على ? بَلَى ? في تلك المواضع.بناءً على هذا تقسم ? بَلَى ? إلى قسمين فقط:قسمٌ يجوز الوقف عليه وذلك في عشرة مواضع، وقسم لا يجوز الوقف عليه وذلك في اثني عشر موضعاً، وطلباً للاختصار سنكتفي بذكر مثال واحد لكلّ نوع.فما يجوز الوقف عليه قوله تعالى:? وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأولئك أصحاب النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? (البقرة/81 - 80). فكلمة «بلى» في هذه الآية أفادت إبطال قول اليهود ? لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ? ونفت نفي مسّ النار لهم وإذا انتفى نفي مسّ النار لهم ثبت نقيضه وهو المسّ، لأنّ نفي النّفي إثبات وقوله تعالى ?مَن كَسَبَ سَيِّئَةً? جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب سيقت تعليلاً لما أفادته ? بَلَى ? من ثبوت مسّ النّار لهم، فكأنه قيل: أنتم كاذبون في زعمكم أنّ النّار لن تمسّكم إلاّ أياماً معدودة فإنها ستمسّكم وتخلدون فيها أبد الآبدين، لأنّ من كسب سيئة أي كفراً وأحاطت به خطيئته واستولت عليه وأحاطت به من كلّ جانب فشملت ظاهره وباطنه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.من هذا يتبيّن أن جملة ? مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ? لا تعلّق لها بما قبلها من حيث اللفظ، بل تعلّقها من حيث المعنى فحينئذ يصح الوقف على ? بَلَى ? وهو وقف كافٍ. [الكشف عن أحكام الوقف والوصل في العربية للدكتور محمد سالم محسن، دار الجيل بيروت، الطبعة الأولي سنة 1412هـ - 1992م، ص 52] ومثل هذا بقية المواضع التسعة الأخرى. [وهي سورة البقرة آية 11و 112 سورة آل عمران آية 75و 76 وآية 124و 125 وسورة الأعراف آية 172 وسورة النحل آية 28 وسورة يس آية81 وسورة غافر آية 50 وسورة الاحقاف آية 33 وسورة الانشقاق آية 14 و 15.]ومما لا يجوز الوقف عليه قوله تعالى: ? وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا? (الأنعام/30) لا يجوز الوقف على ? بَلَى ?، لأنّ جملة ? وَرَبِّنَا ? من ضمن مقول الكفار فهم لم يقتصروا على قولهم ? بَلَى ? الدالّ على اعترافهم بما كانوا يجحدونه في الدنيا من البعث والجزاء، بل اعترافهم باليمين، إظهاراً لكمال يقينهم بحقيته وإيذاناً بأنّ هذا الاعتراف صدر عنهم برغبة ولهفةٍ طمعاً في أن يكون سبباً في نفعهم ودفع عذاب الله عنهم ولكن أنّى لهم ذلك؟فنظراً لعدم جواز فصل بعض المقول عن بعض ولوجوب وصل المقسم به بالمقسم عليه لا يجوز الوقف على ?بَلَى?. [معالم الاهتداء للحصري 116.]مثل هذا الحكم بقية المواضع الاثني عشر. [وهي: سورة النحل آية 38، سورة سبآ آية 3، سورة الزمر آية 9، سورة الأحقاف آية 33، سورة التغابن آية 7، سورة القيامة آية 4، سورة البقرة آية 260، سورة الزمر آية 71، سورة الزخرف آية 80، سورة الملك آية 9 وسورة الحديد آية 14]ومن مقاييسهم المقياس النحوي القرآني، إنّ بعض الكلمات القرآنية والأدوات النحوية امتازت بخصائص قد لا توجد في غيرها من الأدوات الأخرى، وكانت موضع نظر القرّاء بالنسبة لقضية الوقف والوصل وهذه الادوات منها ما هو للجواب مثل ? نَعَمْ ? ومنها ما هو للردع مثل ? كَلا ? ومنها ما هو للاستثناء مثل ?إِلاّ?، وظاهرة الوقف على هذه الأدوات كانت موضع خلاف بين القرّاء، فبعضهم يجوّز الوقف عليها والبعض الآخر يمنعه ولعلّ سبب الخلاف بينهم هو المعنى الذي يفهم من السياق العامّ وما تؤديه هذه الأدوات من وظائف في النظم، وقد مرّ بحث أداة الاستثناء ? إِلاّ ? في المسألة السابعة مفصلاً سنحاول تفصيل القول في الوقف على ? نَعَمْ ? و ? كَلا ?.ب: حكم الوقف على ? نَعَمْ ?:أمّا ? نَعَمْ ? فهي حرف جواب يجاب بها عن كلام قبلها ويختلف معناها باختلاف ما قبلها، فإن كان ما قبلها جملة خبرية مثبتة كانت أم منفيّة فهي حرف يدلّ على تصديق المخبر بكسر الباء، فإذا قيل: قام محمد أو قيل: لم يقم محمد فتصديقه فيها ? نَعَمْ ?.وإن كان ما قبلها جملة إنشائية سواء كانت أمرية أم نهييّة أم تحضيضيّة فهي حرف يفيد وعد الطالب مطلوبه، فإذا قيل افعل كذا أو لا تفعلْ أو هلاّ تفعلُ فقولك: ? نَعَمْ ? وعدٌ للطالب بإجابة مرغوبه فكأنك قلت: سأفعل أو لن أفعل فكلمة ? نَعَمْ ? نابت مناب الجملة التي دلّت على تحقيق المطلوب من فعل أو ترك.وإن كان ما قبلها استفهاماً فهي حرف يدل على الإعلام أي إعلام من يستخبر ويستفهم عن أمرٍ ما، فالمتكلم بها يُعلِمُ مخاطبه بجواب استفهامه ولم تستعمل ? نَعَمْ ? في القرآن الكريم إلاّ بهذا المعنى. وفي أربعة مواضع: الأول: قوله تعالى: ? فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ... ? (الأعراف/44).قال الزركشي والمختار هو الوقف على ? نَعَمْ ? في هذه الآية، لأنّ ما بعدها ليس متعلقاً بها ولا بما قبلها إذ ليس هو قول أهل النار ? قَالُواْ نَعَمْ ? من قولهم. [البرهان للزركشي 1/454]وقول الزركشي « لأنّ ما بعدها ليس متعلقاً بها ولا بما قبلها » المراد نفي التّعلّق اللفظي فقط، وأمّا التعلق المعنوي فمتحقق قطعاً لأن الآيات بعد ذلك لا تزال تتحدث عن أهل الجنة وأهل النار فيكون الوقف على ?نَعَمْ? في هذه الآية كافياً.الثاني: قوله تعالى: ? قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ? (الأعراف/114).لا يجوز الوقف فيها على ? نَعَمْ ?، لأنّ جملة ? وإنّكم لمن المقربين ? معطوفة على الجملة المحذوفة التي قامت ?نَعَمْ? مقامها في الجواب، وأصل الكلام «إنّ لكم لأجراً وإنّكم لمن المقرّبين»، فحذفت جملة «إنّ لكم لأجراً» ونابَتْ ? نَعَمْ ? عنها في الجواب، وكلتا الجملتَيْن مقول القول ولا يفصل بعض المقول عن بعض.الثالث: قوله تعالى: ? قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إذا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ? (الشعراء/42).يقال فيها ما قيل في الآية الثانية.الرابع: قوله تعالى: ? قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ? (الصافات/18).لا يسوغ الوقف فيها على ? نَعَمْ ?، لأنّ جملة ? وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ? في محل نصب على أنها حال من الفاعل الذي حذف مع فعله وقامت ? نَعَمْ ? مقامه والأصل قل لهم تبعثون والحال أنّكم أذلاءُ صاغرون، من هذا يتبيّن أنّ «المختار ألاّ يوقف على ? نَعَمْ ? في هذه المواضع الثلاثة لتعلق ما بعدها بما قبله لاتصاله بالقول» [البرهان للزركشي 1/455] وإنّما يوقف على الموضع الأول فقط.ج: حكم الوقف على ? كَلا ?:أمّا ? كَلا ? فهي حرف تفيد الردع والزجر وهذا مذهب أكثر النحويين من مدرسة البصرة، منهم إمام النحو سيبويه والخليل والمبرد والزجاج ليس لها عند هؤلاء معنى سوى ذلك، ولهذا يجيزون الوقف عليها والابتداء بما بعدها، لأنّها زجر وردع لما قبلها، وأمّا ما بعدها فهو منقطع عنها، ويُردّ على هؤلاء أنّ هذا المعنى الذي ذكروه لها - وهو الردع والزجر - لا يمكن تحققه في بعض الآيات كقوله تعالى: ?عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ، كَلاّ إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى? (العلق/7 - 5)، فلو تأملنا الآيات قبلها لا نجد كلاماً يقتضي ما يزجر عليه فـ ? كَلاّ ? جاءت في ابتداء الكلام والردع والزجر يقتضي سبق ما يزجر عليه.ومثل قوله تعالى: ? ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ، كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ ? (القيامة/21-19) فلا يمكن تحقق الزجر والردع في هذه الآية أيضاً، كما يظهر ذلك بأدنى تأمل في سابق الآيات ولاحقها، فلكون هذا المعنى غير مطرد في الآيات القرآنية والأساليب العربية، اضطر النّحاة إلى أن يزيدوا فيها معنى ثانياً يصح معه أن يوقف على ما قبل ? كَلاّ ? ويبتدأ بها ثم اختلفوا في تعيين هذا المعنى الزائد على ثلاثة مذاهب:الأول: مذهب الكسائي والكوفيين وهو أنها تكون بمعنى «حقّ».الثاني: مذهب النضر بن شميل (ت: 203هـ) والفرّاء (ت: 217هـ) ومن وافقهما أنها تكون حرف جواب بمثابة إِيْ ونعم.الثالث: مذهب أبي حاتم (ت: 248هـ) ومن شايعه أنها تكون أداة استفتاح بمنزلة ألا الاستفتاحية. [معالم الاهتداء للحصري ص 128و 129]ويؤخذ من كل ما تقدم أن كلمة ? كَلاّ ? لها أربعة معان لا تخرج في جميع مواردها عنها: الردع والزجر، معنى حقاً، معنى نعم، معنى الاستفتاح وقد تستعمل في بعض المواضع محتملة معنيين أو أكثر من هذه المعاني والذي يحدّد معناها ويكشف المراد منها، إنما هو معنى الآية وفحواها وهدفها ومرماها، وقد وقعت هذه الكلمة ?كَلاّ? في القرآن الكريم في ثلاثة وثلاثين موضعاً في خمس عشرة سورة كلّها في النصف الثاني من القرآن وليس في النصف الأول منها شيءٌ، وحكمة ذلك أن النصف الثاني نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة فتكرّرت هذه الكلمة على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم بخلاف النصف الأول وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلهم وضعفهم. [البرهان للزركشي 1/447]وقسّمها الإمام مكي بن أبي طالب (ت: 437هـ) أربعة أقسام:الأول: ما يحسن الوقف فيه على ?كَلاّ? - على معنى الردّ لما قبلها والإنكار له فتكون بمعنى: ليس الأمر كذلك، والوقف عليها في هذه المواضع هو الاختيار ويجوز الابتداء بها على معنى «حقّ» أو «ألاَ» وذلك في أحد عشر موضعاً منها موضعان في سورة مريم آية 78 و 79، وآية 81 و 82 وفي سورة المؤمنون آية 100 وفي سورة سبأ آية 27 وموضعان في سورة المعارج آية 14 و 15 وآية 38 و 39 وموضعان في سورة المدثر آية 15 و 16 وآية 52 و 53 وموضع في سورة المطفّفين آية 13 و 14 وسورة الفجر آية 16 و 17 وسورة الحطمة آية 3 و 4.قال: فهذه أحد عشر موضعاً، الاختيار عندنا وعند أكثر أهل اللغة أن تقف عليها على معنى النفي والإنكار لما تقدمها ويجوز أن تبتدئ بها على معنى « حقّ » لجعلها تأكيد للكلام الذي بعدها أو الاستفتاح.الثاني: ما لا يحسن الوقف فيه عليها ولا يكون الابتداء بها على معنى « حق » أو « ألاَ » أو تعلقها بما قبلها وبما بعدها ولا يوقف عليها ولا يبتدأ بها والابتداء بها في هذه المواضع أحسن وذلك في ثمانية عشر موضعاً:موضعان في سورة المدثر آية 32 و آية 54 وثلاثة في سورة القيامة آية 11 و آية 20 و آية 26 وموضع في سورة النبأ آية 4 وموضعان في سورة عبس آية 11 وآية 23 وموضع في سورة الانفطار آية 9 وثلاثة مواضع في سورة المطففين آية 7 وآية 15 وآية 18 وموضع في سورة الفجر آية 21 وثلاثة مواضع في سورة العلق آية 6 وآية 15 وآية 19 وموضعان في سورة التكاثر آية 3 وآية 5.فهذه ثمانية عشر موضعاً، الاختيار عندنا، وعند القرّاء، وعند أهل اللغة، أن يبتدأ بها أي ? كَلاّ ? على معنى « حق » أو « ألاَ » وألاّ يوقف عليها.الثالث: ما لا يحسن الوقف فيه عليها، ولا يحسن الابتداء بها، بل تكون موصولة بما قبلها من الكلام وبما بعدها وذلك في موضعين: الأول في سورة النبأ آية 5 وسورة التكاثر آية 4، فلا يحسن الوقف عليها ولا الابتداء بها. الرابع: ما لا يحسن الابتداء بها ويحسن الوقوف عليها وهو موضعان: وهما في سورة الشعراء آية 15 وآية 62. قال الإمام مكي: فهذا هو الاختيار، ويجوز في جميعها أن تصلها بما قبلها وبما بعدها ولا تقف عليها ولا تبتدئ به. [البرهان للزركشي 1/450- 452]د: حكم الوقف على ? ذَلِكَ ?:يستعمل لفظ ? ذَلِكَ ? في بعض موارده في فصيح الكلام منثوره ومنظومه في الانتقال من غرض الى غرض ومن شأن الى شأن ومن قصة إلى أخرى ومن معنى إلى معنى.قال العلاّمة الزمخشري (ت: 538هـ): في ? ذَلِكَ ? في قوله تعالى ?ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ ...? (الحج/30): ? ذَلِكَ ? خبر مبتدأ محذوف أي: الأمر والشأن ذلك، كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر، قال: هذا، وقد كان كذا وكذا انتهى [تفسير الكشاف للزمخشري 3/154 نشر أدب الحوزة قم / إيران افست الطبعة المصرية لا.ت] ومعنى هذا انّ اسم الإشارة ?ذَلِكَ? أو « هذا » يذكر أحياناً للفصل بين كلامَيْن أو بين وجهَيْ كلام واحد.وقال القرطبي (ت: 671هـ) عن « ذلك » في قوله تعالى ?ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ? (سورة محمد/4)، وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام وهو كما قال تعالى: ?هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ? (سورة ص الآية/55)، أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا انتهى. [الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671هـ) 16/229هـ ط. الثالثة دار الكاتب العربي للطباعة والنشر القاهرة مصر 1387هـ - 1967م]وقد وقع هذا اللفظ في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ولكنه لم يستعمل في المعنى الآنف الذكر إلاّ في مواضع معينة من القرآن العظيم، ولا يصح الوقف عليه إلاّ في المواضع التالية:الموضع الأول: قوله تعالى: ? ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ? (الحج/30).في لفظ ? ذَلِكَ ? في هذه الآية إعراب:الأول: أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف والتقدير: الذي ذكرته لكم في سابق الآيات ذلك.الثاني: أن يكون مبتدأ حذف خبره والتقدير: ذلك حكمُ الله.الثالث: أن يكون في موضع نصب على أنه مفعول لفعل محذوف والتقدير امتثلوا ذلك.قال العلامة الآلوسي: واختيار ? ذَلِكَ ? هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته... انتهى. [روح المعاني في تفسير القرآن العظيم لأبي الفضل شهاب الدين الألوسي (ت 270هـ) 17/147 إدارة الطباعة المنيرية دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان لا.ت]أخذ التعظيم وبعد المنزلة من اللام لأنها موضوعة للدلالة على بعد المشار إليه، إمّا في الحسن والمكان وإمّا في الرتبة والمكانة.وعلى هذه الإعراب الثلاثة ينتفي الارتباط اللفظي بين ? ذَلِكَ ? وبين الجملة بعده وهي ?وَمَن يُعَظِّمْ ...? لأن هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب وبناءً على ما ذكر يكون الوقف على ? ذَلِكَ? كافياً. [معالم الاهتداء للحصري ص 164-166]الموضع الثاني: أيضاً سورة الحج الآية 32.الموضع الثالث: أيضاً سورة الحج الآية 60.الموضع الرابع: سورة محمد (ص) الآية 4.إعراب ? ذَلِكَ ? في هذه المواضع الثلاثة الأخيرة كالموضع الأول والوقف على ? ذَلِكَ ? كافٍ لتحقق التعلق المعنوي وانتفاء التعلق اللفظي، وما عدا هذه المواضع الأربعة لا يصح الوقف فيها على ? ذَلِكَ ?.هـ: حكم الوقف على ? كَذَلِكَ ?:أمّا الوقف على ? كَذَلِكَ ?، يوقف عليه في المواضع الآتية:الموضع الأول: ? كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ? (الكهف /91).الكاف في ? كَذَلِكَ ? في هذه الآية يحتمل أن تكون في موضع رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: أمر ذي القرنين كذلك.ويحتمل أن تكون صفة مصدر محذوف لـ « وَجَدَ »، أي وجدها تطلع وجداناً مثل وجدها تغرب في عين حمئة. وعلى هذا الوجه تكون في محل نصب.ويحتمل أن تكون في محل جرّ على أنها صفة قوم، والتقدير وجدها تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليه الشّمس في الكفر والحكم.والحاصل أنّ الكاف هنا اسم بمعنى « مثل » في موضع رفع أو نصب أو جرّ.وعلى جميع هذه الإعرابات قالوا في « وقد أحطنا » للاستئناف، وحينئذ ينتفي التّعلّق اللّفظي بين ?كَذَلِكَ ? وبين ما بعده ويتحقق التعلق المعنوي فيكون الوقف على ?كَذَلِكَ? كافياً.الموضع الثاني: سورة الشعراء الآية 59: ? كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ?في الكاف من ? كَذَلِكَ ? في هذه الآية أيضاً ثلاثة أعاريب كسابقتها والواو في ? كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا ? يحتمل أن تكون مستأنفة، وأن تكون عاطفة جملة ? وَأَوْرَثْنَاهَا ? على جملة ?كَذَلِكَ? وعلى كلا الاحتمالَيْن يصح الوقف على ? كَذَلِكَ ?، أمّا على كون الواو مستأنفة فظاهر، وأمّا على كونها عاطفة فهي عاطفة على أخرى وعطف الجمل لا يمنع الوقف وعلى هذا يكون الوقف على ? كَذَلِكَ ? حسناً.الموضع الثالث: سورة فاطر الآية 28: ? كَذَلِكَ إنّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ?.الكاف اسم بمعنى « مثل » في محل نصب صفة لمصدر « مختلف » والتقدير مختلف اختلافاً مثل ذلك، أي: مثل اختلاف الثمرات والجبال، فالوقف على ? كَذَلِكَ ? في هذه الآية كاف لأن قوله تعالى ? إنّما يَخْشَى اللهَ ... ? مستأنف لا موضع له من الإعراب.الموضع الرابع: سورة الدخان الآية 28: ? كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ?.في الكاف من ? كَذَلِكَ ? في هذه الآية وجهان من الإعراب:الأول: أن تكون مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ مضمر أي: الأمر كذلك.الثاني: أن تكون منصوبة المحلّ على أنها نعت لمصدر محذوف والتقدير: أهلكناهم اهلاكاً وانتقمنا منهم انتقاماً كذلك أو التقدير: كم تركوا تركاً مثل ذلك الترك.ويصحّ الوقف على ? كَذَلِكَ ?، لأنّ « الواو » في «?وَأَوْرَثْنَاهَا? تحتمل الاستئناف والعطف على «تركوا» وعلى كلّ يصح الوقف لأن عطف الجمل لا يمنع الوقف، وحينئذ يكون الوقف على ?كَذَلِكَ? في هذه الآية حسناً وما عدا هذه المواضع لا يجوز الوقف على ? كَذَلِكَ ?. [معالم الاهتداء للحصري ص 170]و: حكم الوقف على ? هَذَا ?:أمّا الوقف على ? هَذَا ? فيوقف عليه في ثلاثة مواضع:الموضع الأول:?هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ? (سورة ص/55) يحتمل أن يكون ? هَذَا ? خبراً لمبتدأ محذوف والتقدير: الأمر هذا، أي: أمر المتقين وشأنهم وجزاؤهم هذا الذي سبق بيانه.ويحتمل أن يكون مبتدأ خبره محذوف والتقدير هذا - الذي تقدم شرحه - جزاء المؤمنين ثم بيّن جزاء غير المؤمنين فقال: ? هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ?.ويحتمل أن يكون مفعولاً به لفعل محذوف، والتقدير: اعلموا هذا، أي: هذا الجزاء الذي أعدّه الله لعباده المؤمنين لتعلموا أن الحصول عليه بمباشرة أسبابه وهي الإيمان والأعمال الصالحة.وعلى جميع هذه الاحتمالات فالواو في ? وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ... ? للاستئناف على ما هو الأظهر، ويحتمل أن تكون للعطف عطفت جملة ? هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ? على جملة ? وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ? (ص/49) وعلى ذلك يكون الوقف على ? هَذَا ? حسناً.الموضع الثاني:? هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ? (سورة ص/57) أنَّ ? هَذَا ? في هذه الآية خبر مبتدأ مضمر تقديره: العذاب هذا، أي: الذي تقدم بيانه، وعلى ذلك يكون الوقف على ? هَذَا ? حسناً.الموضع الثالث:? قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ? (يس/52) الظاهر من سياق الآية، وفحواها أنّ اسم الاشارة مبتدأ، وما: اسم موصول خبره وجملة ? وَعَدَ الرَّحْمَنُ ? صلة الموصول، وجملة ? وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ? معطوفة على جملة الصلة قبلها وعلى هذا الإعراب لا يصحّ الوقف على اسم الاشارة لما فيه من فصل المبتدأ عن خبره، وجوّزوا أن يكون اسم الإشارة صفة لمرقدنا لتأويله بالمشتق، وعلى هذا يصحّ الوقف عليه وبناء على ذلك الإعراب يكون « ما » في قوله تعالى ? مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ ? اسم موصول مبتدأ ويكون خبرها محذوفاً تقديره: حقٌ ويصحُّ على هذا الإعراب أن تكون « ما » خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو ما وعد الرحمن ... وما عدا هذه المواضع لا يسوغ الوقف فيها على ? هَذَا ?.المسألة التاسعة:«في بيان مذاهب القرّاء في الوقف والابتداء»لا بدّ من معرفة أصول مذاهب الأئمة القرّاء في الوقف والابتداء ليعتمد في قراءة كلٍّ مذهبَه.أ- نافع:كان يراعي محاسن الوقف والابتداء بحسب المعنى والسياق وقد ورد عنه النص بذلك. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج 1 ص 238]2- ابن كثير:كان يعتمد الوقف على رؤوس الآي مطلقاً، وأما أواسطها فقد ورد عنه أنه كان يقول: إذا وقفت في القرآن على قوله تعالى: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ ?، وعلى قوله تعالى: ? وَمَا يُشْعِرُكُمْ ? وعلى قوله تعالى: ?إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ? لم أبال بعدها وقفت أم لم أقف.وعلّق ابن الجزري وقال: وهذا يدل على أنه كان يقف حيث ينقطع نفسه. [ن.م. ص 238]3- أبو عمرو بن العلاء:إنّه كان يتعمّد الوقف على رؤوس الآي ويقول هو أحبّ إليّ وأما أواسط الآي فإنه كان يطلب حسن الابتداء ونقل عنه أنّه كان يراعي حسن الوقف. [ن.م. ص 238]4- عاصم الكوفي والكسائي:كانا يتحريان تمام المعنى فيقفان عنده ويلزم من هذا حسن الابتداء. [معالم الاهتداء للحصري ص 176]5- حمزة الزيات الكوفي:اتّفقت الرواة عنه أنّه كان يقف عند انقطاع النفس، فقيل لأنّ قراءته التحقيق والمدّ الطويل فلا يبلغ نفس القارئ إلى وقف التمام، ولا إلى الكافي، ثم قال ابن الجزري: وعندي انَّ ذلك من أجل كون القرآن عنده كالسورة الواحدة فلم يكن يتعمّد وقفاً معيناً، ولذلك آثر وصل السورة بالسورة، فلو كان من أجل التحقيق، لآثر القطع على آخر السورة. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج 1 ص 238]وأمّا باقي القرّاء فكانوا يراعون حسن الحالتين من الوقف والابتداء والله تعالى أعلم.كانت هذه دراسة في علم الوقف والابتداء سيكون لنا تطبيق في سورة الحمد ومئة آية متتالية من سورة البقرة على ضوء ما طرحناه في الفصول السابقة، فنبيّن إعراب المفردات المهمة في كل آية، وإعراب الجمل فيها وبيان أنواعها ومدى ارتباطها، ببعض أو عدم ارتباطها ونبيّن وجوه الاختلاف في الإعراب وفي الوقف والابتداء على الكلمات والجمل القرآنية إن شاء الله تعالى.