إذا أردنا تجسيداً للعلاقة بيننا وبين القرآن الكريم، نمثّل ذلك بوجود انسان في صحراء مظلمة وموحشة، مفتوحة على كل الطرق والاتجاهات. ربما تكون بعض الطرق تؤدي الى مخاطر تهدد حياته، او تبعده مسافات طويلة عن الطريق الصحيح فيموت جوعاً وعطشاً. في هذه الاثناء يتمنى لو أن في يده خارطة تخلصه من هذا المأزق وتنجيه من الهلاك، فإن كانت فهو من الناجين، وإلا فالموت مصيره المحتوم.بيد أن التعامل مع هذه الخارطة ليس بالامر الهيّن، فقراءتها يحتاج الى تفكير وتأمل، وهو من صفات العلماء والباحثين عن الحقيقة، في مقابل أناس حالتهم العجلة والتسرّع في اتخاذ القرار، فقالوا: «لسنا بحاجة الى خارطة، فساروا من دون دليل فاصبحوا قرابين وضحايا للمكاره والفتن والموت.هكذا الحياة التي يعيشها الانسان وتعيشها الامة، فهي طريق مظلم، لكن ليس بمعنى فقدان «خارطة النجاة» بالكامل، فقد قيّض الله - تعالى- لنا القرآن الكريم وسنّة النبي الأكرم وأهل البيت، عليهم الصلاة والسلام، لأن تكون تلك الخارطة المضيئة والهادية.وعندما نقول بصعوبة التعامل مع هذه الخارطة، لأن ما تحمله من خطوط دقيقة وتفصيلية تشمل جميع نواحي الحياة، فالذي ينجو منه الانسان، ليس آفة او فتنة واحدة في حياته، إنما هي مجموعة كبيرة من الفتن والبلايا الرزايا، مما يصيب الانسان في بدنه وأهله او فكره وعقيدته وغير ذلك كثير.هنالك عوامل وعوائق تسبب ابتعاد الانسان عن الطريق الصحيح:1- حب الراحة، من العوائق أمام اكتشاف الطريق الصحيح، كون الوصول الى الهداية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والتعب، فالمعالي والمنجزات لن تتحقق بالراحة والاسترخاء وقضاء الوقت، إنما بعقد العزيمة و علو الهمة. فإذا قرأت التاريخ، تجد الصحابي الجليل، سلمان المحمدي، كيف أجهد نفسه حتى وصل إلى هذه المكانة الرفيعة، حتى رفعه النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، الى منزلة «سلمان منّا أهل البيت». وايضاً الصحابي الجليل، أبا ذر الغفاري، وسائر الصحابة والموالين الحقيقيين لأهل البيت، عليهم السلام، بذلوا الجهود وحتى الدماء للوصول الى طريق السمو.2- حب الشهوات؛ هو الآخر يمثل عائقاً أمام الانسان، واذا ما أخفق في اقتحام العائق، لن يكتشف الطريق القويم، لذا يدعونا ربنا في كتابه المجيد: ?فلا اقتحم العقبة?. ومعروف حجم وتنوع الشهوات في حياة الانسان، وكلها عبارة عن منظومة ضغط كبيرة عليه.3- الضغوط الخارجية. أنت تعلم أن الدين مرتبط بتعاليم أهل البيت والقرآن الكريم، لذا ربما تتعرض للمحاربة من قبل البعض في المجتمع، فإذا كانت لديك ثقافة دينية، من سلوك والتزامات وعادات، فان هنالك ما يناقضها لدى هذا البعض.من هنا تبدو مسألة الهداية، مهمة جداً، لذا جعل الله سبحانه وتعالى، الرحيم بعباده، للإنسان مجموعة عوامل مساعدة في مقدمتها؛ أهل البيت، سلام الله عليهم، فلن يصل للحق والطريق الصحيح، من ليس لديه ولاية أهل البيت، بمعنى أن السير في هذا الطريق الطويل الشاق يحتاج إلى محطات لتجديد القوة والنشاط ومعاودة السير في هذا الطريق المنشود، ومن بين هذه المحطات هناك محطة عالية وعظيمة ألا وهي محطة الشعائر الحسينية في شهر محرم الحرام وصفر الخير. إننا نستفيد من هذه المحطة ومن الشعائر في شحن وتعبئة أنفسنا بما يعيننا على نيل الدرجات العُلى، ومن ثم نعاود الكرة حتى نصل إلى قمم درجات الإيمان. وتتجلّى الاستفادة من الشعائر الحسينية، في اتخاذ القرار. فعندما تتخذ قراراً بأنك لن تترك الصلاة - مثلاً- أو لن تكذب، أو ستقطع دابر الظلم من نفسك، ومن ثم تفعل ما قررت، فإنك سوف تملأ كيانك بالصفات التي قررت أن تكون لديك وستستفيد من هذه الشعائر.هنالك من الناس من يتخذ القرار ويعمل ويجتهد في العمل الذي قرر لأجله، ولكن بعد مرور شهر أو سنة أو سنتين، أو حتى يوم واحد، تراه يرجع إلى سابق عهده، لماذا؟ لأنه لم يرب نفسه ولم يحترم قراره، ولم يبن الحصون التي تمنعه من النفس الامارة بالسوء، ولكن ما الحل لهذه المشكلة؟بالطبع إن الحل الأمثل والأدق هو الانتماء إلى التجمع الذي يذكرك بالله ويأخذ بيدك إلى الأمام والتقدم إلى الأفضل ألا وهو التجمع الإيماني الرباني الحسيني.