الشيخ خير الدين الهادي الشبكي
واحدة من أيام الله المشهورة والمشهودة يوم الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة المباركة. حيث صدح صوت الحق مرة أخرى وقد توسم بنور محمد وآل محمد؛ ليشهد على يوم أقرب ما يكون إلى يوم الفصل بتألق كلمة الله تعالى عالياً يرفرف في سماء الدنيا؛ ليعلن الانتصار للإسلام على أعدائهم من النصارى المعاندين علي يديْ النخبة التي لطالما كانت كهف الإسلام الأمين، والعروة الوثقى للصالحين؛ الذين يستهدون بالإسلام كدين وبالولاية كيقين. لقد كان يوم المباهلة عظيماً كعظمة الرسالة المحمدية. وتعاظم فيها النفوس التي انتجبها الله؛ ليكونوا ممثلين عن الإسلام، مقسمين على نفس كنفس محمدٍ صلوات الله عليه. وهو نفس علي عليه السلام. وامرأة مثلت نساء النبي فضلا عن سائر نساء المسلمين. وقد كانت الزهراء العظيمة أم أبيها. والقسم الثالث: كانوا أبناء النبي صلى الله عليه وآله، وقد تجسد في الحسن والحسين عليهما السلام. إذ قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). نعم إنه يوم صراع الكلمات التي رسمت معالم جديدة للنهوض الإسلامي والمواقف التي اتسمت بالحكمة والقوة في الدفاع عن هيبة الإسلام بكل ما يمكن به ذلك؛ لأن الصراع بين الحق والباطل وبين العقل والجهل كان قد وصل إلى طريق مسدود. حيث أصر نصارى نجران على ألوهية عيسى عليه السلام. ولم يكن ثمة خيارات أمام النبي صلى الله عليه وآله إلا انتظار أمر السماء. فلما جاءت الساعة المرتقبة ونزل الأمر الإلهي إلى النبي صلى الله عليه وآله_ بأن ينتهج مع القوم أسلوبًا آخر من الحوار، لا يجاملهم ولا يداهنهم؛ بل يوقفهم عند الحدِّ. ولو تحققت المباهلة كان الوضع مختلفًا؛ بل لربما لم يبقَ نصراني من المعاندين آنذاك، كما صرَّح كبيرهم بقوله: والله إني لأنظر إلى وجوه لو دعت على الأرض لاطبقت عليها السماء. ثم لاذوا مذعورين ومنكسرين وإلى الجزية مبادرين. نعم لقد كانت المباهلة سبيل توهج نور محمد وآله مرة أخرى. فقد كان فيها كلمة الفصل لإنهاء الجدل المحتدم بين الرسول صلى الله عليه وآله وبين نصارى نجران. حيث توجهت الأنظار المشككة بقدوم النبيِّ إلى المباهلة فتفاجأت بالثغر الباسم، يتقدم وهو يحتضن الحسين ويمسك بيمناه الحسن وخلفه الطاهرة الزهراء ويمشي خلفها أمير المؤمنين ،ونفس محمد صلى الله عليه وآله. فلما رأى نصارى نجران ذلك وتجلت أمامهم أمارات العذاب بتغير لون الشمس واجتماع السحب السوداء في الأفق وهبوب الريح الحمراء وصعود الدخان من الجبال أيقنوا نزول البلاء. فقصدوا رسول الله يطلبون العفو وقالوا نعطيك الرضا على أن تعفينا عن المباهلة. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله على الجزية ثم انصرفوا خائبين خاسرين. والذي يهمنا أن نقطفه من بستان المباهلة هو مسألة تعيين شخصيات المباهلة. فلم يكن الأمر ارتجاليًا أو عفويًا، بل كان اختيارًا إلهيا؛ ليشير إلى عمق الدلالة. وقد عبرت الآية عن ذلك بوضوح لا يساوره الشك، فأشارت إلى أن نفس عليٍّ عليه السلام شابهت الشخصية التامة الكاملة في الكفاءة والصفات دون النبوة؛ ليتضح لنا أن مقام الإمامة يستلزم شخصاً تاماً كتمام النبيِّ صلى الله عليه وآله وليس للناس أن يجتهدوا في اختيار قادة الدنيا إلى الآخرة. ومن جانب آخر فقد تبيَّن أن الزهراء عليها السلام هي من تمثل نساء النبيِّ صلى الله عليه وآله، وليس عامة نسائه وزوجاته. ومن المناسب أيضاً أن نشير إلى أن المباهلة كشفت عن أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا مكلَّفين وهما صغيران؛ ليكون بذلك دليلا على أن المعصوم لا يحده العمر ولا غيره. وزيادة على ذلك فقد ثبت أنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله. وعلى ما تقدم فإن يوم المباهلة عرس الإسلام والمسلمين. وعلى المؤمنين أن يجتهدوا في هذا اليوم بذكر فضائل محمد وآل محمد وأن لا نملَّ ذلك. وليعلم الجميع أن إقامة الشعائر وإحياءها ترسيخ لمفاهيمها وتثبيت لها عبر الأجيال. ولا يكفي قولنا نعرف ذلك أو نؤمن به فقد، آمن الناس بالغدير وارتدوا على أدبارهم ولو لا الشعائر الحسينية السنوية لظن كثيرون أن الحسين لم يصل كربلاء ولم يقتله طاغية العصر آنذاك.