الشيخ خير الدين الهادي الشبكي
للحسين عليه السلام مجلس في قلب كل مؤمن دون أن يتقيَّد الأمر بعنصري الزمان والمكان, فقد قال صلى الله عليه وآله : (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبد), وهذا الأمر يستشعره عشاق الحسين في مواطن كثيرة سيما حينما يُذكر الحسين عليه السلام, أو يوفق أحدهم في الدخول إلى كربلاء زائراً, حيث نجد أن هناك أموراً خارجة عن إرادتنا ومنها قطرات الدموع وأنت تسترجع أيام الحسين عليه السلام وكذلك القلب يعمل بصمت دون أن توجهه فيتسلط بانكساره على جميع الجسد حتى يصبح كل شعرة من جسد المؤمن شعلة تهفو للوصول إلى الحسين عليه السلام والوقوف عند رأسه الشريف واسترجاع اللحظات والساعات الأليمة والموجعة, ولا نستغرب بعد ذلك سقوط بعضهم مغماً عليه فقد سبقهم الكرام وهم يقفون على قبر الحسين معزين وزواراً؛ ليقولوا لرسول الله صلى الله عليه وآله نحن على العهد باقون وإلى حقوقك مبادرون.
إن إحياء الشعائر الحسينية ضمانٌ حقيقي لبقاء واستمرار الشريعة الإسلامية بما يتناسب مع هدف الرسالة وأوامر السماء وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وآله, فالشعائر الحسينية عملت على حفظ الدين وتثبيت الهوية الإسلامية من الزوال, ولطالما أكد المعصوم على الاهتمام بها والحرص على اقامتها ففيها سر نجاحنا ومكمن قوَّتنا؛ بل هي التي تُرعب أعداء الإسلام من الداخل والخارج, وهذا الأمر بحد ذاته يوجب على المؤمنين السعي إلى إقامتها وإن تباينت الظروف وتعكَّرت الأجواء على أن لا يكون فيها خروج عن الضوابط العامة والخاصة والتي من شأنها أن تحافظ على هيبة المجالس وروحانيتها وسلامة القائمين عليها.
إن إقامة المجالس الحسينية ليس أمراً طارئاً في ظل التحديات الراهنة, فكما هو معلومٌ أن المجالس الحسينية وعلى مدار السنوات الطويلة كانت محاربة من قبل الكثيرين سواء من الظالمين الذين تسلطوا على رقاب الناس فكانوا يمنعونهم جهراً من إقامة المجالس وهذا الأمر كان واقعاً كما في زمن المقبور صدام اللعين أو الحكومات المختلفة التي كانت تمنع وفي مختلف الدول الإسلامية, أو كانت تُمنع بمحاربتها من قبل السفهاء وهم كثيرون فمجرد حلول شهر الأحزان تسمع وتقرأ الكثير من هؤلاء يحاولون التعرض إلى المجلس الحسيني والشعائر الحسينية فمنهم من يقول لو تصرف أموال المواكب على الفقراء والآخر يقول إن ما تتركه المواكب من التعطيل والخراب وتراكم القمامات كثيرة فينبغي تحديدها وهم قد لا يشعرون أنهم يقفون في وجه أعظم حركة إسلامية حافظ على النهج السليم للإسلام, وكذلك فاتهم ما يتحقق من هذا الجوِ الحسيني من الكرامات والبركات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها والتي يكون فيها عزُّ الاسلام والمسلمين وإن شابها بعض التصرفات الفردية التي لا تنسجم مع أهداف هذه المجالس.
ومن المهم أن ندرك أن جائحة كورونا المستجد ليس لها أن تمنع المجالس الحسينية أو توقفها, فالمتوكل العباسي كل سطواته لم يتمكن من ذلك والبلايا والأوبئة التي وقعت سابقاً وهي كثيرة لم تمنع هي الأخرى إقامة المجالس؛ بل كانت تقام مع رعاية الوضع والظرف, فليس من الحكمة أن نلقيَ بأنفسنا في التهلكة وهذا ما لا يرضاه الحسين عليه السلام لعشاقه؛ بل ينبغي العمل على وفق المعطيات المتاحة وإقامة المجالس بالشكل الذي نأمن فيه على أرواح الناس ولا نحرم أنفسنا بركة المجلس الحسيني الشريف, وهذا يستلزم العمل التكاملي بين مسؤولي المواكب والأخوة العاملين في المجال الصحي والإرشادات الوقائية, وينبغي التثقيف على وجوب الوقاية رعاية للمصلحة العامة عند إقامة هذه المجالس الحسينية لضمان سلاسة مشاركة المؤمنين وعدم حرمانهم من البركات الحسينية في إحياء وإقامة الشعائر الحسينية.