إِنَّ كلَّ ما يتعلَّق بعاشوراء من شعائِر هدفها الحقيقي هو [تغيير السُّلوك] و [تحسين الأَداء] وذلك يتطلَّب أَوَّلاً وقبل كلِّ شيءٍ، معرفة الحُسين السِّبط (ع) [حياتهُ، سيرتهُ، مسيرتهُ، دينهُ، قيَمهُ، أَخلاقهُ، منطلقاتهُ، أَهدافهُ، أَدواتهُ، كيفَ تعامل معَ الصَّديق؟ وكيف تعاملَ مع العدوِّ؟ كيف تعامل مع أُسرتهِ؟ وكيف تعامل مع والدَيه؟ كيف تعامل في السُّوق؟ وكيف تعاملَ في ساحةِ الحرب؟ كيف تعاملَ مع العالِم؟ وكيف تعاملَ مع الجاهِل؟ مَن هو الحُسينُ طفلاً؟ ومَن هو الحُسينُ شابّاً؟ ومَن هو الحُسينُ كهلاً؟ ومَن هو الحُسينُ مُجاهداً؟ ومَن هو الحُسينُ مُصلحاً؟ ومَن هو الحُسينُ شهيداً؟].
إِذا عرفنا كلَّ هذا وأَكثر فستنفعنا الشَّعائر وتساعدنا في تغيير سلوكيَّاتنا وتحسينِ أَدائِنا وعلى مُختلف المُستويات والأَصعدة، وهو المطلوب.
إِذا عرفنا كلَّ هذا وأَكثر فستنفعنا ذكرى عاشوراء وما يُرافقها من شعائر وطقُوس، وستنفعنا زيارة الحُسين السِّبط (ع) وسينفعنا السَّير لهُ مشياً على الأَقدامِ في الأَربعين، وستنفعنا رايتهُ عندما نراها خفَّاقة فوقَ رؤُوسنا.
إِذا عرفنا كلَّ ذلك وأَكثر فسنبذل كلَّ جُهدنا من أَجل أَن نقتفي أَثر الحُسين السِّبط (ع) ونهجهِ وسيرتهِ وأَخلاقهِ، في كلِّ موقعٍ نشغلهُ، وعندها فقط سيميِّزنا النَّاس عن غيرِنا، ليسَ بلقلقةِ اللِّسان والإِدِّعاء وإِنَّما بالسِّيرة، فيقولُون هذا حُسينيٌّ كربلائيٌّ عاشورائيٌّ، وذاكَ أَمويٌّ يزيديٌّ.
أَرأَيتَ إِذا أَحببتَ شخصاً كيف تقلِّدهُ حتى في نبراتِ صوتهِ وطريقةِ مشيهِ ومصافحتهِ وإِسلوبهِ في التَّعامل مع النَّاس؟! فما بالك بمَن ذبتَ فيه حبّاً؟! فذلك هو الذي يتبيَّن في فهمكَ للآية الكريمةِ {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ}.
تعالُوا نقرأ ما قالهُ الإِمام جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) بهذا الصَّدد.
يقولُ (ع) {ليسَ مِن شيعتِنا مَن قالَ بِلسانهِ وخالفَنا في أَعمالِنا وآثارِنا، ولكِن شيعتنا مَن وافقَنا بلِسانهِ وقَلبهِ، واتَّبعَ آثارَنا وعمِلَ بأَعمالِنا، أُولئِكَ شيعَتنا} وقولهُ {يا شيعة آلَ مُحمَّد، إِنَّهُ ليس منَّا مَن لمْ يملِك نفسهُ عندَ الغَضبِ، ولَم يُحسن صُحبةَ مَن صحِبهُ، ومُرافقةَ مَن رافقهُ، ومُصالحةَ مَن صالحهُ، ومُخالفةَ مَن خالفهُ} وقولهُ {معاشِرَ الشِّيعة، كونُوا لنا زَيناً ولا تكونُوا علينا شَيناً، قولُوا للنَّاسِ حُسناً، احفظُوا أَلسنتكُم وكفُّوها عنِ الفضُولِ وقبيحِ القَولِ} وقولهُ {شيعتُنا مَن قدَّم ما استَحسنَ، وأَمسكَ ما استقبَحَ، وأَظهرَ الجمِيل، وسارعَ بالأَمرِ الجليلِ، رغبةً إِلى رحمةِ الجلِيل، فذاكَ منَّا وإِلينا ومعَنا حَيثُما كُنَّا} وقولهُ {إِمتحنُوا شيعتنا عندَ ثَلاث: عندَ مواقيتِ الصَّلاة كيفَ مُحافظتهُم علَيها، وعندَ أَسرارهُم كيف حِفظهُم لها عندَ عدُوِّنا، وإِلى أَموالهُم كيفَ مُواساتهُم لإِخوانهِم فِيها} وقولهُ {فإِنَّما شيعةُ علٍيّ مَن عفَّ بطنهُ وفرْجهُ، واشتدَّ جهادهُ، وَعمِلَ لخالقهِ، ورجا ثوابهُ، وخافَ عِقابهُ، فإِذا رأَيتَ أُولئكَ فأُولئكَ شيعةُ جَعفر}.
ومِن كلِّ هذهِ الأَقوال الواضحة وغيرها الكثير التي تصفُ الشِّيعي الحقيقي نفهم معنى واحداً فقط أَلا وهوَ أَنَّ أَئمَّة أَهل البيت (ع) لا يريدونَ أَن يرَوا إِنتماءنا على أَلسنتِنا أَبداً وإِنَّما يريدُون أَن يلمسُونهُ بسلوكيَّاتنا وأَخلاقِنا وطريقةِ حياتِنا اليوميَّة، ولا يتحقَّق ذلكَ إِلَّا إِذا كانت الشَّعائر الحُسينيَّة بالنِّسبةِ لنا مصدر إِلهام لتغيير السُّلوك وتحسين الأَداء، وإِلَّا فشكِّك في وعيِكَ وفهمِك للحُسين السِّبط (ع).
لا تُحدِّث النَّاسَ عن حُبِّكَ للحُسينِ السِّبط (ع) ودع سلوككَ اليَومي معهم يُحدِّثهُم عن ذلك.
لقد أَوصى الإِمام الصَّادق (ع) شيعتهُ بقولهِ؛ كونُوا لنا دعاةً صامتِينَ.
قالُوا: وكيفَ ذلكَ يا بن رسولِ الله (ص)؟!.
قال؛ تعملُون بما أَمرناكُم بهِ مِن طاعةِ الله وتنتهُونَ عمَّا نهيناكُم عنهُ ومعاصيهِ، فإِذا رأَى النَّاس ما أَنتُم عليهِ علِمُوا فضلَ ما عندَنا فسارعُوا إِليهِ}.
بمعنى آخر؛ كُن نَموذجاً ليقتدي بكَ النَّاس.