تركية الزيادي
ان رسالة السماء التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه واله من عند الله تعالى ،هي المنهج الرباني الذي سنه الله تعالى لهداية البشرية جمعاء،وتنظيم حياتهم بمايحقق سعادة الدنيا والاخرة،وهذا المنهج يقوم على دعامتين اساسيتين ، اما الاولى فهي كتاب الله القران الكريم الذي نزل على صدر نبينا محمد صلى الله عليه واله،وهو الدستورالالهي الذى حوى منهج متكامل، يهدف الى رفعة الانسان وكماله في الدنيا والاخرة،اذا ما التزم وتقيد بما جاء به.واما الدعامة الثانية فهي العترة الطاهرة للنبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله،وهم اهل بيته الاطهارعليهم السلام،لان الدستور الالهي لابد له من قيم ومعلم يتولى تفسيره،ليكون واضحا وجليا لعوام الناس،وهذا المعلم لابد ان يكون متصفا بمواصفات خاصة ومعصوما من الخطأ والزلل ،ومرتبطا بالله تعالى من خلال الوحي ،فالوحي لاينزل الا على اناس قد اختارهم الله واصطفاهم ،وارسلهم للبشرية وهم وحدهم اعرف بمراد الله وهم الناطقون الرسميون عن الله جل وعلا ، وخاتمهم الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله ،فهو القيم والمعلم الاول لدستورالسماء،والحجة على الخلق،والعالم بالقران الكريم قال تعالى: ( هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ).(1) وبما ان القران الكريم هو المعجزة الخالدة للنبي محمد صلى الله عليه واله،فلابد ان يكون معلمه خالدا بخلوده ،فكان رسول صلى الله عليه واله قيما ومعلما للقران في زمانه،اما بعد وفاته فقد اوصى بان تكون العترةالطاهرة هي القيمة على القران الكريم وهي متمثلة بالامام علي عليه السلام وذريته من بعده الائمة المعصومين عليهم السلام .حيث ان النبي صلى الله عليه واله كان يملي ماينزل عليه من ايات على الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ،فيدونها الامام مع تفسيرها باعتباره التلميذ الاول لمعلم الانسانية،ولذلك لقب بالقران الناطق، وبترجمان القران،وامير البيان، وقد رسخ الرسول الاكرم صلى الله عليه واله حقيقة قيام العترة على القران ،فكان دائما يؤكد لاصحابه ان الامام علي عليه السلام هو الاعلم من بعده ،فكان صلى الله عليه واله يقول لاصحابه :(علي يعلمكم القرأن بعدي )وقوله المشهور:(علي مع القران والقران مع علي يدور معه حيث دار).(2) كما اقر الرسول صلى الله عليه واله هذه الحقيقة مرارا وتكرارا في احاديثه ،ومنها حديث الغديرالحديث المشهور والمتواترالذي نقله كافة المسلمين عن النبي صلى الله عليه واله قوله :(اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)،(3)كما اكد الرسول صلى الله عليه واله ،عدم افتراق الثقلين وحاجة الامة لهما في اخر لحظة من حياته عندما كان الصحابة مجتمعين عنده في غرفته، كما تذكر ذلك ام سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله فقال :(ايها الناس انه يوشك ان ادعى فاجيب فينطلق بي واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )(4) ان دلالة الحيث هي ان اهل البيت عليهم السلام هم عدل القران ،ولايفترق احدهما عن الاخر،ومعنى عدم افتراق أحدهما عن الاخرهوأن الاهتداء بأحدهما واغفال الاخر، مما لا يمكن لسالك سبيل الرشاد، وبما ان موضع الكتاب من الدين موضع عرض أصول التشريع واحكامه فان البيان والتفصيل من وظيفة العترة الطاهرة ،من أهل بيت الرسول صلى الله عليه واله ،وكما كان دور النبي من القرآن الكريم دور بلاغ وبيان ،فكذلك موضع أهل بيته الطاهرين عليهم السلام دور أداء وايفاء، فهم خلفاؤه في أداء رسالة الله عز وجل في الارضين ، والايفاء ببيان شريعته في العالمين . ان القران الكريم لابد ان يكون له معلم وقيم ،وهذا القيم خالدا بخلود القران،وكأن الرسول صلى الله عليه واله اراد ان يخبر الامة بانه هو القيم على القران ،مادام موجودا فاذا ذهب فعلي عليه السلام هو القيم وذريته من بعده الى اخرهم وهو الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وانما ذلك لخصوصية في اهل البيت عليهم السلام،ولقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه واله، فهم اهل الذكر بل هم الراسخون في العلم كما وصفهم القران الكريم قال تعالى:(وما يعلم تأويله الاالله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا)(5)وقد جاء في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام في تفسيرهذه الاية قوله:( نحن الراسخون في العلم ونحن نعلمه )(6)فمعاني الايات القرانية مرتبطة بمراد الله تعالى،ولا يعرف مراد الله الا من كان مرتبطا بالله عن طريق الوحي ،ولايوجد من هومرتبط بالله عن طريق الوحي، الا رسول الله واهل بيت العصمة صلوات الله عليهم اجمعين،الذين وصفهم الله ورسوله،بانهم اهل بيت النبوةوموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي .هذاهو منهج الثقليين،الذي عارضه من قال بالمنهج الاحادي،وهو منهج من قال حسبنا كتاب الله، المنهج الذي اقصى العترة الطاهرة عن حقها بخلافة رسول الله صلى الله عليه واله،من اجل اغراض دنيوية واعتمدوا على تفسير ايات القران الكريم اعتمادا على المفردات اللغوية الامر الذي يختلف اختلافا جذريا عن المنهج الالهي ،وهو منهج الثقلين المنهج الالهي الاصيل ،الذي يعتمد على الثقلين بدون اقصاء احدهما ،وهما القران الصامت وهو القران الكريم،والقران الناطق وهم اهل البيت عليهم السلام ،وانهما لن يفترقا بحسب مااخبر به النبي صلى الله عليه واله الى يوم القيامة ،ولكي نثبت بالادلة صحة منهج الثقلين، وان المنهجين لايفترقان وان العترة لاتختلف عن القران الكريم بل هي اللسان الناطق عن الله جل وعلا نطرح هذه الادلة والبراهين لاثبات ذلك وهي :-الدليل الاول : ان القران الكريم كتاب سماوي ودستور الهي ،امتاز باعجازه وبيانه ،لذلك فهو بحاجة الى مفسر يفسر مراد الله تعالى، وهذا واضحا بدون شك ،لان اي كتاب منهجي في المدارس والجامعات مهما كانت بساطته يحتاج الى معلم ليوضحه لمن لايفقهه،لان الطالب ممكن ان يخطأ في الفهم ويحصل لديه اشتباه،هذا في الكتاب المنهجي الاعتيادي،فكيف بكتاب الله العزيز والدستور الالهي الذي اتصف بالبلاغة والاعجاز، الا يحتاج الى مفسر ؟واي مفسر مفسرعالم لابد ان يكون بدرجة من العلم والعصمة والحكمة ،وقد كان اهل البيت عليهم السلام مصداق تلك الحكمة ، لانهم السبب المتصل بين السماء والارض ،وهم مصدر لتجلي الله عز وجل في الارض . ان منهج الثقلين يعطيك المعنى الدقيق والصحيح لمفردات القران الكريم لانها تصدر ممن يرتبط بالله ممن يعلم بالقران ظاهره وبطنه وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ،اما منهج من قال حسبنا كتاب الله ، فانه يفسر القران بحسب الظاهر ويمكن ان يخطاأ ومن يخطىء بفهم القران ،سيخطأ بالحكم ،واذا اخطأ بالحكم فقد حكم بغير مانزل الله،وسيكون ممن فسر القران برايه، وهذا باطل لان تفسير الايات يعتمد على المعنى اللغوي للمفردات ،وقد تتعدد المعاني للمفردة الواحدة فمن يعلم اي معنى منها هو مايريده الله تعالى غيرالامام المعصوم .
الدليل الثاني :ان كل قانون وضعي يشرع من قبل اي جهة تشريعية حكومية ،لابد له من جهة رقابية مسؤولة عن النص تفهم معنى القانون،وتكون مرجع يمكن ان يرجع اليها المختصون ،عندحصول اي اختلاف لتبت بالمسائل الخلافية،فاذا كان القانون الوضعي الاعتيادي، يحتاج الى مفسرومرجع فكيف بالقانون الالهي،الذي وضع من قبل الله تعالى وارسله على يد الانبياء لخلقه واوصياء الانبياء من بعدهم إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى لا يدع خلقة بلا حجة بينة ،وهذا من لطفه وكرمه تبارك وتعالى ،فهو الذي رحم الإنسانية بلطفه،وبعث الأنبياء عليهم السلام بركةً منه ورحمة ،وهداية للامة ولابد من أن يتم لطفه بعد وفاة نبيّه ،فيعيّن بعده من يواصل هذه المسيرة ويحفظ هذا الدين،وهو الذي جعل أمة محمّد أفضل الأمم، فكيف يتركها بدون أن يعيّن لها أفضل المربّين وأجدر القادة المؤتمنين على كتابه الكريم و دستور السماء الخالد
الدليل الثالث :بالاضافة الى الادلة المتقدمة والتي هي ادلة يحكم العقل بها بدون ادنى شك فهناك ادلة نقلية دلت عليها روايات اهل بيت العصمة منها ماجاء في الكافي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام انه قال : ( ان الله طهرنا وجعلنا شهداء على خلق،وحجته على من في أرضه ،وجعلنا مع القرآن ،وجعل القرآن معنا،لا نفارقه ولا يفارقنا...)(7)
كما جاء في بحار الانوار عن الإمام الباقرعليه السلام انه قال لعمرو بن عبيد: ( فانما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أنزل ، فاذا احتاجوا الى تفسيره ، فالاهتداء بنا والينا يا عمر…..) (8) وجاء في اصول الكافي عن الإمام الكاظم عليه السلام انه قال : (نحن الذين اصطفانا الله . فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء…..)(9)
كما جاء في تفسير العياشي عن ابي عبد الله عليه السلام قوله : (ان الله جعل ولايتنا اهل البيت قطب القران وقطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القران ،وبها يوهب الكتب ويستبين الايمان ،وقد امر رسول الله صلى الله عليه واله ،ان يقتدي بالقران وال محمد،وذلك حيث قال في اخر خطبة خطبها ،اني تارك فيكم الثقلين،الثقل الاكبر والثقل الاصغر فاما الاكبر فكتاب ربي واما الاصغر فعترتي اهل بيتي ،فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ماتمسكتم يهما )(10)
ومن هذه الادلة يتبين لنا،ان قضية عدم افتراق الثقلين حقيقة ،كما يتبين وبدليل واضح علة عدم الافتراق بين القران والعترة الطاهرة ، من خلال حديث الثقلين كونه يحتوي على مكنون علم وبصيرة اذ ان النبي قد جمع فيه بين الكتاب والعترة فيقول هما متلازمان على طول الطريق وانهما لايمكن ان يفترقا فيستحيل ان يكون قران بدون عترة او تكون عترة بدون قران بل هما ثقلان متحدان وهما معا يقدمان الدين الكامل ، الصالح للتمسك اعتقادا وعملا الى قيام الساعة وهذا هو اعجاز حديث الثقلين فقد ثبت استمرارية الامامة عند شيعة اهل البيت عليهم السلام والمتمثلة بامامة الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وان هذه الامامة قائمة الى يوم القيامة . وان الثقلين هما طريق نجاة الامة ونيل مرضاة الله تعالى .والحمد لله رب العالمين .