الشيخ خيرالدين الهادي
تتعاظم سلم الكرامات بالكشف عن المقامات التي يتمتع بها كل إنسان. وحينما يكون الكلام عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فينبغي الالتفاتة إلى جوانب متعددة في سيرته وشخصيته, فزيادة على ضخامة نسبه الشريف الممتد إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله كان يتمتع الإمام عليه السلام بكثير من المؤهلات والامتيازات حتى استحق أن يكون مصداقا لقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَه), فالذي ارتضاه تعالى لحمل مسيرة الأنبياء والأوصياء في هداية الناس وحملهم على صلاح آخرتهم ودنياهم، ينبغي أن يكون أكمل الناس في عصره وزمانه. وهذا الأمر لا يخفى على من يعتقد بأن الإمامة رئاسة ربانية يختارها الله تعالى وليس للناس أن يقرروه. قال تعالى: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَة). فالله تعالى لا يترك حجة إلا وأكملها على عباده والسعيد من عرف قدر نفسه وفهم تكليفه وعلم اختباره فنجح.
إن المقامات الكثيرة التي خصها الله تعالى بالإمام الحسن بن علي عليه السلام كانت ظاهرة في دلالة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. فقد جاء الإمام الحسن عليه السلام في تفسير كثير من الآيات الشريفة التي أكدت على سمو مقامه وعظمته. ومن تلك الآيات التي يمكن ذكرها على سبيل المثال آية المباهلة الشريفة حيث قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِين). وقد مثّل الإمام الحسن عليه السلام أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله, وهذا المقام الشريف كشف عن عمق التكليف الذي أنيط بالإمام الحسن عليه السلام؛ ليقف في موضع المواجهة المحتدمة التي كانت سببا في تثبيت الدين وانتصار الإسلام على النصارى في الواقعة المشهورة. ومن جانب آخر فقد كان الإمام الحسن السبط مصداقاً واضحا لقوله تعالى: (ِ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا). فقد جعله سبحانه وتعالى ضمن ساحة الطهر الإلهي وبصحبة خيرة خلق الله تعالى, وهذا المقام المتفرد ليس متاحاَ إلا للخصوص من الذين اتفقت عليهم الروايات التي جاءت مفسرة لهذا الخطاب القرآني.
والأمر لم يتوقف عند حدِّ هذه الآيات؛ بل جملة كبيرة من الآيات فسرت مقامه الشريف, وزيادة على ذلك فقد جاءت الروايات النبوية المباركة وكشفت هي الأخرى عن مقامه الشريف وهي كثيرة ومتعددة وفي مقدمتها قول الرسول صلى الله عليه وآله: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدِ شَبَابِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِي), فقد خصه جدّه صلى الله عليه وآله بهذه الحفاوة التي يغبطها عليها الأنبياء والأوصياء. إذ جعله سيداً لهم وهذا يتماشى مع عقيدتنا فيهم. فالله تعالى خلق الكون وما فيها من الأفلاك والمصابيح إكراما لمحمد وآل محمد عليهم السلام.
ومن جانب آخر فقد تقلد الإمام الحسن عليه السلام مجموعة من الألقاب التي تميز بها, وتبين من ذلك مقاماته السامية وعلو شأنه من هذه الالقاب: (الزَّكِيُّ، وَ السِّبْطُ الْأَوَّلُ، وَ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ الْأَمِينُ، وَ الْحُجَّةُ وَ التَّقِي), وكل هذه الألقاب التي كانت للإمام المجتبى عليه السلام إشارات لا يمكن تجاهلها على درجته عند الله تعالى وعند رسول الله صلى الله عليه وآله, ثم ختمها بالشهادة التي يتقرب بها الأولياء إلى الله تعالى. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث إن شاء الله تعالى؛ ليكون ممن يشهدون على الخلق فبهم وبمودتهم سبيل النجاة والفوز بالرضوان عند من لا تضيع عنده الودائع.