قال تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس).
يوم لا كباقي الايام, عيد وعهد وميثاق وتبليغ, إذ أمر الله تعالى نبيه(صلى لله عليه وآله) بلغة تكشف أهمية الامر وصعوبة قبوله من قبل الناس الذي كانوا معتنقين الاسلام عن عهد جديد فغيَّر حياتهم ومناهجهم واستنقذهم من ظلمة الجهل والفساد إلى النور والاصلاح؛ فاختلفوا عليه بين من آمن به وبين من أسلم كراهة؛ بل اضطر بعضهم إلى دخول الاسلام خوفا من حدِّ السيف وبريقه اللامع والمخيف؛ فلم يدخل الايمان في قلوبهم, وكان حظهم الاعتراض والرفض والتسويف.
إن لغة الخطاب من الله تعالى إلى النبيِّ(صلى لله عليه وآله), كشفت عن علم الله عز وجل وعلم نبيِّه(صلى لله عليه وآله) بأن الناس قد لا يتقبلون هذا التبليغ الذي أمر الله به والمتمثل بتبيلغ المسلمين أن علياً (عليه السلام) هو الخليفة والوصي بعد رسول الله (صلى لله عليه وآله), فأكد سبحانه وتعالى بأن هذا الامر يتوقف عليه قبول الرسالة؛ ليفهم الناس والمسلمون أن دينهم الجديد لم يكتمل إلا بهذا التبليغ العظيم, ولن يتقبل سبحانه وتعالى منهم دينهم إلا بولاية علي عليه السلام.
إن التبليغ بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام كان عهد من الله تعالى إلى محمد وآل محمد صلوات الله عليهم, وكان بحق الميثاق المأخوذ الذي قطعه سبحانه وتعالى على سائر أنبياءه وخلقه, ففرض عليهم الامر تشريفاً لهم وتميزاً عن غيرهم من المعارضين؛ فكان الغدير عيداً للمؤمنين يتناقلون ذكراه عاماً بعد عامٍ بمزيد من البهجة والسرور كونه عيد الله الأكبر, ووكونه اليوم المبارك الذي أكد سبحانه بأن ذلك رضاه بعد أن قام النبي(صلى لله عليه وآله) بالتبيلغ رسمياً في يوم مميز عند مفترق الطرق حيث الهجير والظهيرة واجتماع القوافل قبل تشتتهم إلى الامصار المختلفة, إذ وفقهم الله تعالى للحضور في حجة الوداع مع خاتم الانبياء(صلى لله عليه وآله),
إن ما يميز هذا التبليغ أنه كان ختاماً للرسالة, إذ ختم الله بذلك نزول القرآن, وقبِل من المؤمنين دينهم, إذ قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينا), فكان كمال الدين وتمام النعمة بولاية أمير المؤمنين عليه السلام, وهذا الظاهر من توجيه الخطاب كشف مقصود الله تعالى الذي قصد امتداد الرسالة الاسلامية من خلال المعصومين الذين خصهم الله تعالى بالعصمة, وأيدهم بحوله وقوته بعد أن اختبرهم وابتلاهم فوجد فيهم القدرة على حمل الرسالة فجعل أمر الاسلام بين يديهم(الله أعلم حيث يجعل رسالته), فليس بمقدور عامة الناس تحمل أعباء الرسالة وجمع شتات الامة؛ فكانت العدالة الالهية تقتضي وجود الامين على الرسالة ليستقر أمر الله على المنهج الذي اختاره الله تعالى ونهجه(صلى لله عليه وآله).
والاسلام كمنظومة متكاملة احتضنت الشرائع والأديان؛ لذلك ينبغي له مواكبة العصور بوصفه خاتم الاديان, ومن هنا فإن الولاية التي ختم الله بها الاسلام تمثل الدرع الحصين للحفاظ على المكتسبات الاسلامية, ومن لا ولاية له يُخشى عليه من الضياع والهلكة والتيه والضلال, فالولاية صمام الامان, ولا كمال للدين دون الولاية, والنعمة كل النعمة بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي تجلى فيه الولاية وامتد في عقبه المبارك ليُختم الدين بولاية ولده الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه) فيملئُ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً