الشيخ خيرالدين الهادي
ليس غريباً أن تدرك أن الروايات بما فيها من المساحات الكبيرة وأقوال المعصومين وإن اتسعت لفنون الخطاب وشروح المتحدثين وإن وصلت إلى مختلف المستويات أن تبقى كلها عاجزة عن حقيقة الزهراء عليها السلام, إذ توجه الداعون بها إلى الله تعالى فقالوا: ((إلهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها))؛ لتكون عليها السلام قطب الرحى في مقطع الدعاء فيعرف بها النبيُّ والوصيُّ والأئمة من بعدهما وزيادة على ذلك فإن فيها سرٌ مستودع يحاول ادراكه الملمون وهم يسيرون في عالم المناقب والمقامات التي منها أنها أمَّ أبيها بحسب النقول عنه صلى الله عليه وآله.
إنها بحق ليست كباقي النساء فلا يقاس بها غيرها((سيدة نساء العالمين)) من الاوَّلين والآخرين فمن ذا يدانيها في الفخار والمقام, وعلى الرغم من قِصَر عمُرها إلا إنها تركت إرثاً كبيرا من المعارف والعلوم والكلمات التي عجزت الدراسات العلمية والمعاصرة عن استيعاب جوانبها البلاغية والفنية, خاصّة حينما نقف عن سرد الروايات التي حيَّرت الباحثين والدارسين في فضلها ومكانتها عند الله تعالى وعند رسول الله تعالى وعند أمير المؤمنين عليه السلام, إذ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله: (( يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لِرِضَاك)), وكان النبيَّ صلى الله عليه وآله إذا دخلت فاطمة عليها السلام إلى مجلسه يقوم لها ويأخذ بيدها ويجلسها إلى جنبها, وقال فيها: ((ُ إِنَّ اللَّهَ لَيَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَ يَرْضَى لِرِضَاك)), وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام عَنْ فَاطِمَةَ عليها السلام قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: (( يَا فَاطِمَةُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَ أَلْحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنْتَ مِنَ الْجَنَّة)).
ومع كل هذه المقامات والكرامات التي كانت عليها الزهراء عليها السلام إلا أنها ماتت وهي واجدة على بعض المسلمين بعد أن أغضبوها وأنكروا حقها مما وهبها إليها النبيُّ صلى الله عليه وآله, فعزلت الناس ولجأت إلى بيت أحزانها حتى قضت (عليها السلام), وجرى عليها من الاضطهاد بعد رحيلها كما تجرعته قبل وفاتها, إذ ماتت وتركت أسئلة لمن يريد أن يستفهم الامر عنها وعن من ظلمها وعن قبرها الذي خفي عن الناس, إذ دُفنت ليلا وسراً؛ ليبقى أمرها مطروقا عبر نافذة التاريخ, ويعوا شأنها وذكرها وإن كانت بعيدة عن التصوُّرات وعظيمة المقامات؛ وليثبت دويُّ مظالمها بصوت محبيها عالية بقولهم(لعن الله من سّنَّ ظلمها وأذاها)