واحدة من أهم الصفات والسلوكيات التي ركز عليها القرآن الكريم في الزوجات الصالحات أن يكنّ حافظات للغيب؛ لأهمية هذا الفعل في حفظ منظومة الأسرة بشكل عام وحفظ كرامة الزوجين بشكل خاص، وهذا مايدعو إليه الدين الإسلامي المبارك لرقي وكمال شخصيتهما، إذ لا تعد هذه الصفة من الكماليات بل هي ضرورة ووسيلة تربوية أخلاقية على صعيد صيانة المؤسسة الأسرية داخلها وخارجها، وقد أمر الله تبارك وتعالى في سورة النساء المباركة بحفظ الغيب " فالصَّالِحاتُ قانتاتٌ حافظاتٌ لِلغيبِ بِما حفظ الله" (١) أي اللاتي يحفظن حقوق الأزواج و شؤونهم لا في حضورهم فحسب، بل يحفظنها في غيبتهم، يعني أنهنّ لا يرتكبن أية خيانة سواء في مجال المال، أو المجال الجنسي، أو في مجال حفظ مكانة الزوج و شأنه الاجتماعي، وأسرار العائلة في غيبته، ويقمن بمسؤولياتهنّ تجاه الحقوق التي فرضها الله عليهنّ "(٢)
ومما ورد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قوله: " ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله".(٣) فما أعظمها من فائدة يستفيد منها العبد في حياته.
ومن المؤسف وبسبب ابتعادنا عن تطبيق مفاهيم قرآننا يحدث هذا الشرخ في الصفوف النسوية من دون مراعاة مراد الله عز وجل ومعرفة تكليفهن، فكم من المجالس اليوم تسهم في إضعاف هذه الرابطة المقدسة وفكها، بفضح خصوصيات الزوج وعدم مراعاة الكيان الأسري الذي أراده الله عز وجل أن يكون حصنا للطرفين، وكم من حرمات تباح في مجالس نسوية تحت عناوين الفضفضة وذرائع تشفي بها الألسنة غليل القلوب، وقد نهى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هكذا أفعال بقوله: "للرجل على المرأة أن تلزم بيته، وتودده وتحبه وتشفقه، وتجتنب سخطه وتتبع مرضاته، وتوفي بعهده ووعده، وتتقي صولاته، ولا تشرك معه أحدا في أولاده، ولا تهينه ولا تشقيه، ولا تخونه في مشهده ولا في ماله، وإذا حفظت غيبته حفظت مشهده "(٤).
ولعل من أهم الأسباب التي تدعو الزوجات لذلك هو سوء اختيار رفيقات المجالس وانخراطهن بهكذا صفوف لا تسمن ولاتغني من جوع، أما الزوجة التي يكون هدفها متوافقا مع أهداف القرآن الكريم لابد لها أن تحدد مساراتها ومسؤولياتها وفق أوامره ونواهيه، وخير لها أن تستنصحه في جميع شؤون حياتها الزوجية كما عبر أمير المؤمنين عليه السلام: "واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم"(٥) إذ يعد كتاب الله عز وجل مرجعا معرفيا موثوقا ودستورا بغضاضته لحل جميع المشاكل وبحث الأمور المفصلية، ويريد منا هذه التربية الأخلاقية لما لها من نتائج وثيقة في حفظ قدسية الأسرة وأفرادها، مثلما وصف الزوجين بتشبيه لطيف جدا : "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"(٦)، ومن المعروف أن اللباس يحفظ الجسم من الحر والبرد وأنواع الأخطار من جهة، ويستر عيوب الجسم من جهة أخرى، أضف إلى أنه زينة للإنسان، وتشبيه الزوج باللباس يشمل كل هذه الجوانب، فالزوجان يحفظ كل منهما الآخر من الانحراف والعيوب، ويوفر كل منهما سبل الراحة والطمأنينة للآخر، وكل منهما زينة للآخر".(٧)
كما ينظر الإسلام نظرة خاصة ومميزة للمرأة المحافظة على غيبة زوجها؛ إذ يعدها عاملا من عمال الله الموعودين بعدم الخيبة، فيا لها من حظوة وشرف تنالها الزوجة، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " خير نسائكم الخمس فقيل: ما الخمس؟ قال: الهينة، اللينة، المؤاتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل عينها بغمض حتى يرضى، والتي إذا غاب زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمال الله، وعامل الله لا يخيب".(٨).
وإلى هذا الهدف لابد أن ترمي المرأة المؤمنة نظرها دون التأثر بأهداف بعضهن في مجالس هتك أسرار البيوت، فتقطف ثمار تطبيق سلوك حفظ الغيب من إخلاص المودة ودوام المحبة، فقد ورد ذلك في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " ثَلاثَةٌ تُخلِصُ المودة: إهداء العيب، وحفظ الغيب، وَالمعونة في الشدة".(٩)
فكيف لهذه المرأة التي تستظل بظل زوجها ليلا وتلوذ تحت جناحه نهارا أن تذكره وتتكلم عنه بسوء وهو نفسها "من نفس واحدة" ألا يجدر بأن تكون أهداف القرآن أولى اهتماماتنا في هذا المشروع الإلهي حتى يتحقق قوله تعالى "لتسكنوا إليها" وتنظيم حياتنا كلها من خلال التقوى "واتقوا الله" وأبهى مصاديقها في حفظ الغيب.
---------------------------------------------------------------------------------
(١)سورة النساء آية (٣٤)
(٢)الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٢١٩
(٣)الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٣٢٧
(٤)مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٤
(٥)نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٩٢
(٦)سورة البقرة آية ١٨٧
(٧)الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - الصفحة ٥٣٧
(٨)الأمالي - الشيخ الطوسي - الصفحة ٣٧٠
(٩)المحبّة في الكتاب و السنّة المؤلف : الشيخ محمد الريشهري،الجزء :١ صفحة :٨٠
---------------------------------------------------
بقلم : يقين محمد نعمة