جدليَّة إعدام الحقيقة


الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي:
تحلُّ علينا زيارة الأربعين بحلتها الجديدة، وقداستها الكبيرة، وجمهورها الفريد المترامي عبر الكون من مختلف البقاع  والأصقاع، وهم بدرجة ضيوف الرحمن كما دلّت مرويات أهل البيت (عليهم السلام) ؛ إذ نُقل عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من سرَّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوار الحسين بن علي (عليه السلام))؛ لذلك لا نبالغ إذا قلنا إنَّ الزيارة من أهم الشعائر الدينية عند الإمامية ويحظى الزائر الكريم بمكانة عظيمة كعظمة الزيارة على قلبه، فقطع المسافات وواجه التحدِّيات من أجل الوصل إلى معشوقه (سيد الشهداء)، الذي يُكْرم زواره بالشفاعة ويزورهم ساعة العسرة فيفرج عنهم بإذن الله تعالى.

ولا بدَّ لزيارة الحسين (عليه السلام) من أهداف مركزية يجتمع عليها الزوار؛ لذلك يمكن القول إنَّ من أهم أهداف هذه الملحمة الكبيرة والزيارة الشريفة هو التأكيد على التمسك بمنهج الحسين (عليه السلام) الإصلاحي الذي يمكنه المحافظة على استقامة الإسلام والدفاع عن المقدسات على وفق ما أُثر عن رسول الإسلام والإنسانية (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حاول أن ينقذ الجميع من الضلالة ويخرجهم من مستنقعات الظلم والجاهليَّة إلى منصّات الاهتداء والكرامة، فواجهه القوم آنذاك بالصدِّ والانحراف وتزييف الحقائق وتشويه الإسلام حتى صدَّقوا أنفسهم فعمدوا إلى تغيير الدين والابتعاد عن سُنَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والانتقام من كل من يتمسك بمنهج محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، بالتنكيل والتحريف والتضليل؛ ليصل الأمر ببعض السفهاء من عامَّة الناس أنْ يصدِّقوا بأنَّ بني أميَّة مسلمون ، وأن عليًّا (عليه السلام) وأبناءه المعصومين (عليهم السلام) خارجون عن الإسلام وينبغي قتالهم؛ لأنهم خالفوا سُنَّة الإسلام وبهذا فقد عمدوا إلى قتل الحقيقة وتزييف الحقائق وتضليل العامَّة واستمر هذا المنهج بوسائل مختلفة في كل عصر وزمان.

إنَّ الحقيقة التي استشهدت في وقت مبكرٍ بعد المواجهات بين الإسلام المحمَّدي الأصيل وبين الإسلام الأموي لا تزال تواجه شبكة من المضايقات الدوليّة التي كانت قد تحالفت من الإسلام الأموي قديمًا بقصد ضرب الإسلام المحمَّدي الأصيل في عقر داره؛ لذلك لا نستغرب الاستهدافات المتعاقبة لزوّار الحسين (عليه السلام) وعبر مظاهر مختلفة أقلُّها القطع المبرمج للماء والكهرباء بسبب السياسة الأمريكية المفروضة على العراق قديمًا ومنعها بشكل قطعي تحسين الكهرباء الوطني بالتنسيق مع الدول المنتجة وذلك بفرض العقوبات ومنع الشركات وسلب الإرادة الوطنية والاستخفاف بالحكومات المتعاقبة، زيادة على ذلك وجود الشريك غير الأمين من أبناء الوطن الذين يعمدون إلى التخريب الممنهج بالتنسيق مع محور الشرّ، ومن جانب آخر فإن سلسلة الاستهدافات لزوّار الحسين (عليه السلام) لم تتوقف عند هذا الحدِّ فقد ثبت تورّط المجموعات الرخيصة في أعمال إرهابية بقصد ترويع الزوَّار ومنعهم بعد إخافتهم، وهيهات منا الذلَّة.

إنَّ هذه الإجراءات والاستهدافات  قطعًا لن تثني الزوّار من مواصلة السير باتجاه قبلة الأحرار وسيد الشهداء (عليه السلام)؛ بل تزيد من عزيمتهم وإصرارهم على المواصلة وتجديد العهد والولاء لسيد الشهداء (عليه السلام)، والتأكيد على التمسك بمنهجه الذي أعلن عنه في نهضته الخالدة ومقولته الشهيرة_ مثلي لا يبايع مثلك_ ليكون هذا الخطاب منهج عمل عند عشاق الحسين (عليه السلام) فيتضح بذلك أنَّ الاستمرار على منهج الشرفاء من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يستلزم التبري من الشيطان الأكبر وأعوانه من الصهيونية العالمية ومن سار على هواهم من القطيع الذي توجَّه نحو التطبيع.

وينبغي على المؤمنين المحافظة على المنهج الذي رسمه سيد الشهداء للأحرار والشرفاء مهما تكالبت الأعداء ومهما عمدوا إلى قتل الحقيقة وتزييفها؛ لأنَّ منهج الحسين (عليه السلام) منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كيف لا وهو القائل: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا)، فهذا الخطاب النبوي الشريف قطع الطريق أمام الأعداء مهما بالغوا في تشويه الحقيقة أو عمدوا إلى تضليل العامَّة، والصوت الحسيني المدويّ الذي انطلق من عاشوراء مستمر وبقوة ويستقطب الملايين الذي وجدوا الإسلام في طريق (يا حسين) الخاص بالعشّاق والزوّار من الأحرار من كل البقاع وبمختلف الألسن واللغات ليشهدوا بصوت واحد (إنَّا على العهد باقون).