س/ لماذا نقرأ القرآن ونقدّسه، ونحمله معنا أين مااتجهنا؟ ولكنّنا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان بعيدين كلّ البعدعن أوامره وإضاءاته وكنوزه وأسراره
*الشيخ عبد الجليل أحمد المكراني.
بعد هذا الإعتراف يكون من حقّنا أن نتساءل عن سبب هذه الهوّة بينالادّعاء والواقع، بين النظرية والتطبيق، بين المفترض أن يكون وما هو الحاصلبالفعل
ولِمَ هذا التباين الفاحش في علاقتنا بالقرآن بحيث أصبحت علاقةظاهرية خالية من العمل بمضمانيه السامية
أترانا قد افترضنا الشكّ والريبَ في الكتاب الذي لاريبَ فيه
وهذه التساؤلات تنتظر منّا جميعاً ـ نحن الذين نمتلك زمامأمورنا ـ وقفةً جادةً صادقةً جريئةً صريحةً واقعيةً؛لأنّ مكاشفة الذات تتطلب منّا شجاعة كبيرة نجرّد فيها أنفسنا عنأردية الزيف لنقفَ عُراةً كما نحن، لانتقمّص جلباباً أكبر من واقعنا نكون بارتدائه عاجزين عن سترالحقيقة مهما كان واسعاً أو ثميناً.
وفي معرض الإجابة عن أسباب هذه الحالة المرضية، نقول: إنّمجرّد الادّعاء ورفع الشعار ليس دليلاً علىالانتماء لخطٍّ فكريٍّ معيّن، فإنّ ذلك عبارة عن مرحلةلسانية ـ إن ساغ التعبير ـ لا تشكّل إلّا خطوة في عالم الثبوتتنتظر من صاحبها أن يجسّدها في عالم الإثبات كذلك. والتجسيد لا يكون إلّابتطبيق مفردات ما نصّ عليه القرآن الكريم من أحكام وسلوكيات في القولوالعمل. وأنّ مخالفة ذلك تعني ـ بلا أدنىشكّ ـ التناقض الذي يجعل صاحبه من الذين يقولون ما لا يفعلون،ويكون أحد مصاديق المقت الذي تشير له الآية الكريمة: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَاللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف/ 3].
إنّ الخطر يكمن في النظر إلى المعتقدات كونها موروثاً لامفرّ من السير على طبقه والمحافظة على إطاره، دون قناعةحقيقة، أو تحمّل أيّة مسؤولية تجاهه، أو أن يكون لنا دور في الدفاع عنهذا الإعتقاد أو رفده بكلّ ما يفعّله ويطوِّره ويكيّفه لينسجم معتطوّرات الحياة.
نعم، إنّ من واجبنا أن نرسم للقرآن صورةً تواكّب كلّجيل، مستمدّةً من حيوية القرآن ومرونة الإسلام، تلك الصورة تجعلمنه قادراً في نظر الجيل المعاصر على تلبية كافّة ما يتعلّق بالأمورالحياتية من الأخلاقية والسياسية والعلمية وغيرها، وذلك من خلال إعداد برامجقرآنية تطرح محتويات الكتاب الكريمبالشكل الذي يجسّد قدرته على الحركةوالإبداع والبناء، وقدرته على صناعة الشخصية الرسالية التي لاتتنازل عن مقرّرات هذا الكتاب؛ بل تجسدها سلوكاً واقعياً حتىلو كلّفها ذلك التنازل عن الأغراض والمصالح الشخصية.