كلمة سماحة آية الله العظمى السيد محمد السند (دام ظله) في الندوة التطويرية الأولى لتفعيل العمل القرآني في المدارس الدينية، والتي أقامها قسم دار القرآن الكريم في العتبة الحسينية المقدسة.
إعداد: الشيخ حسين اللامي
الارتباط بالقرآن الكريم أمر عظيم الشأن وجليل الخطب وليس بالهيّن، بل هو محل تجاذب في أوساط الحوزة العلمية الشيعية منذ قرون، بل بيننا وبين المدارس الإسلامية الأخرى أيضاً، وهناك اتجاهات متعددة في مجال التنظير لكيفية إحياء القرآن الكريم، ولا شك أن هذه الندوة الكريمة وهذه الخطوة الكريمة ليست لاجل ان نكرر تجارب الماضين وإنما لنستثمر تلك التجارب وننطلق إلى تجارب أخرى جديدة.
تجارب واتجاهات الإمامية في إحياء القرآن
هناك مناهج في كيفية إحياء القرآن الكريم لدى علماء الشيعة الأمامية، وهناك تجاذبات متعددة في نفس المسار الخاص في مدرسة أهل البيت، عليهم السلام. وفي الحقيقة الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} ﴿الفرقان: ٣٠﴾
لو أردنا أن نبصر هذه الآية من سورة الفرقان المباركة فإنها لاشك تبيّن بوضوح هجر الأمة للقرآن الكريم، ومن هنا جاءت اتجاهات مختلفة بهدف إحياء كتاب الله.
هناك اتجاه تبناه البعض تحت شعار "حسبنا كتاب الله" ولكن بحسب تراث أهل البيت، عليهم السلام، وما أرادوه للقرآن الكريم؛ هذا الاتجاه هو الآخر يصب في مصب هجر القرآن الكريم وليس إحيائه. أيضا هناك اتجاه آخر يطرح إسلام القرآن لا إسلام الحديث الشريف، وتوجد صيحات تتعالى اليوم من أجل فرض هذا الاتجاه، والصحيح وسط كل هذه الاتجاهات وتعددها هو إسلام بمعية الثقلين، وبعبارة أكثر وضوحاً.. إن إحياء القرآن الكريم لا يمكن أن يكون إلا بمعية الثقلين، ومن يظن انه يتمسك بالحديث في الجانب العلمي؛ فهو منحاز عن القرآن الكريم بلا ريب وهو أمر مفروغ منه في مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، وهذا ما نلاحظه واضحاً في تراثنا الشيعي المقروء، ففي كتاب بحار الأنوار - مثلاً - نجد أن تبويب العلامة المجلسي - رحمه الله - بوّب كتابه على أساس معية الثقلين (الكتاب والعترة) فهو كان يسرد الآيات القرآنية في بداية الباب ويجعله دستوراً، ومن ثم يأتي إلى الأحاديث النبوية المسلمة يجعلها التتمة الثانية ثم يأتي إلى روايات أهل البيت، عليهم السلام، ويجعلها في ظل ثوابت القرآن.
اتجاه معية الثقلين.. أصل قرآني
من هنا فإننا نذكّر بأن معية الثقلين تتلخص في أن المصحف الشريف من دون أهل البيت، عليهم السلام يعني إماتته وهجره، لا بد أن تكون السنة النبوية وكلمات أهل البيت مرافقة للقرآن الكريم.
القرآن يقول: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ﴿آل عمران: ٧﴾.
وهذا يعني أن حتى تأويل المتشابه من المحكم ليس بقدرة، بل أن القرآن الكريم بحاجة إلى معلم إلهي، ومحال أن يكون معلم هذا الكتاب بشري فقط، نعم هناك إسهامات لمعلمي البشر في مجال تبيين آيات القرآن الكريم وتوضيحها، كما انه يعني أيضاً أن أصل معية الثقلين قرآني وعقلي ونبوي وملحمي.
إذن؛ لابد أن يكون إحياء القرآن الكريم عبر معية الثقلين التي كانت هناك محاولات لتصويرها من قبل العلماء عبر قوالب صناعية في علوم القرآن، و في علم أصول الفقه، وفي علم الفقه وفي العقائد.
إن معية القرآن الكريم بالثقلين تبدأ من وحيانية القرآن إلى ألفاظ القرآن ومعانيه وبحوره اللامتناهية، مع الأخذ بالنظر عدم انفكاك الحديث عن المصحف، وأن الإمام قرآن ناطق مع تمسكنا بالمصحف الشريف.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يصور الثقلين ويصور القرآن الكريم بشكل دقيق جداً ويصفه بالحبل الممدود ولم يقل حبلان ممدودان، بل هو حبل ممدود طرف منه عند الله والطرف الأخر لدى الناس، وفي التعبير إشارة إلى أن حقيقة القرآن لا تنحصر بالمصحف الشريف وان كان عظيماً مقدساً، وإنما حقيقة القرآن الكريم تبدأ بعد المصحف الشريف في طبقات المعاني وبحوره اللامتناهية من المعاني.
المعية هي النبراس لإحياء المصحف، وتجارب علمائنا من الشيخ الطوسي والعلامة المجلسي و البروجردي نموذج أن محكمات القرآن دستور وشرح هذا الدستور وتتمته الثوابت النبوية.