إن حدة التناقضات بين الثقافات والمعتقدات وصلت إلى مرحلة الخطورة. رغم كل المعتقدات المنتشرة في العالم وشدة تناقضاتها، فإنها تدور - بلا شك – أصلا حول محور واحد هو (الإنسان) ومعالجة مشاكله وحلّ أزماته التي يمكن أن تنشأ بسبب تشابك العلاقات والمصالح بين البشر، بحيث إن وضع الحلول ورسم الحدود للعلاقات الاجتماعية يصبح ضرورة مُلِحّة حيثما وُجِد شخصان، ولكن هذه الكثرة والتناقضات ربما كانت وبالاً على الإنسان نفسه، في حين إن الغاية منها كانت جعل الحياة على سطح الأرض أكثر سهولة وملائمة.
والحقيقة أن أصل كلّ هذه المعتقدات، مهما تباينت هو واحد (الإنسان)، ولكن الاختلافات التي حدثت نتجت بسبب خروج الإنسان عن مسار فطرته وفسادها واعتماده على نظريات وضعية خاطئة مُبتدعة، تبعًا للمصالح الشخصية والفئوية، المادية أو المعنوية ذات القطبية السلبية.
وإلى هذه الناحية يشير القرآن الكريم {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرُ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وفي آيات أخرى، يؤكد القرآن كيف أن الذين جاؤوا بنظريات أو معتقدات جديدة شذوا بها عن الفطرة إنما كان ذلك بعد أن نالوا من العلم قسطا لا بأس به، كان يفترض أن يسخروه للخير فيستفيدوا ويفيدوا منه لكنهم سخروه لمآرب شخصية ضاربِين بالحقّ عرض الحائط، حيث جاء:
قال (عزّ وجلّ) لموسى عند جبل سيناء:
{وَمَا أعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى} ؟
قالَ:
{هُمْ أولَاء عَلَى أثَرِي وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}
قال تعالى:
{فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ:
{يَا قَوْمِ ألَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أمْ أرَدتُّمْ أن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} ؟
قَالُوا:
{مَا أخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِملكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ ألْقَى السَّامِرِيُّ}.
ثم يقول (عزّ وجلّ):
{فَأخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}
فَقَالُوا:
{هَذَا إلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}.
يقول (عزّ وجلّ):
{أَفَلَا يَرَوْنَ ألَّا يَرْجِع إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}.
قالَ موسى وهو ملتفتا إلى السامريّ:
{فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}؟
قال:
{بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.
قال موسى لقومه:
{يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ}.
فالذين خرجوا على قومهم بنظريات، وعقائد إضافية، خالفت الفطرة التي جَبَلَ اللهُ عليها الناس، إنما فعلوا ذلك من بعد العلم والمعرفة الحقَّة، وهم في هذه الحالة يكونون من الجاحدين والكافرين. حيث أن الجحود في اللغة هو إنكار الشيء مع العلم به، وهو نفس معنى التستر على الشيء وإعلان خلافه، أو بدعة. فنقول: (اللهُمَّ كفرْ عني سيئاتِي ) أي اللهم غطِ على سيئاتي.
نرى من خلال هذا المفهوم أن الخطورة تكمن في (حدة التناقضات الثقافية والعقائدية) في المجتمع الواحد المنقسم على نفسه، والذي لم يحدد مساره الصحيح بعد، فهل السامريّ يعود مجددا ؟..