{تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} .
يستضيء القلب بنور آيات الله سبحانه, ويصل العبد إلى الحكمة في حركاته وسكناته من خلال الآيات الكريمة تلاوةً وفهمًا، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} .
إنَّ منطوق الآية واضح بإقصاء أولئك المتكبرين عن آيات الله، أمَّا الذين يؤمنون بالكتاب ويتلونه حقَّ تلاوته، فالأمر يكون لهم كشعاع الشمس الذي ينساب بين الخيوط لينير داخل الدار.
وقد ذكر القرآن الكريم عدة آيات؛ لبيان مقاصد هامَّة في الحياة تعبيرًا عن القدرة الإلهية التي منها قوله تعالى:
-{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} .
-{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
-{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} .
-{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} .
-{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
-{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} .
-{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}الإمام من أعظم آيات الله تعالى:
ومن آيات الله العظمى في الحياة الإمام، والحجَّة، والخليفة على الخلق الذي أُعطيَ العلم الخاص, وعليه لابدَّ أن يكون هو المثل الأعلى علمًا وخلقًا وعملا؛ ليتلو آيات الله ويرشد الناس إلى تنزيلها وتأويلها، وظاهرها وباطنها، ومحكمها ومتشابهها، وعامَّها وخاصَّها، وناسخها ومنسوخها، وبيان أسرارها المكنونة، وجواهرها المخزونة.
وبكلمة واحدة لابدَّ أنْ يكون عنده علم الكتاب، الذي فيه تفصيل كلِّ شيء: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} ، وأنْ يتكفَّل تزكية نفوس الناس من الوساوس الشيطانية والأهواء النفسانية والرذائل الخلقية والعملية، حتى تستعد عقولهم بالتصفية من تلك الكدورات لإشراق أنوار الكتاب الذي لا يناله إلا المطهَّرون، وتصير نفوسهم خزائن لجواهر الحكمة التي يؤتيها الله من يشاء.
كما وأنَّ هذا تمثيل لظهور آيات الله وتبيين آثار قهره وسلطانه مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا ظهر بنفسه فإنه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها.
وقد أمرنا المولى سبحانه بالاستجابة للآيات والعمل بها, قال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لعن الله المجادلين في دين الله على لسان سبعين نبيًا، ومن جادل في آيات الله كفر، ومن فسَّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار).
وفي مجتمعاتنا من لا يسمعون ما يُتلى عليهم من آيات الله سماع تدبُّر؛ إمّا لعدم التربية الصحيحة، وإمّا لرين على قلوبهم, قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ، أي أنكروا آيات الله وكذّبوها، والحال أنَّ أنفسهم مستيقنة بها، عالمة إياها، وإنما أنكروها ظلمًا لأنفسهم وعلوًّا، مع أنَّ الله سبحانه جعل لنا في آياته العبرة, والحكمة, والموعظة, للتدبّر والتفكّر والتأمّل، فجعل آياته للعالمين؛ لتكون لهم نورًا وضياءً وتصديقًا للبعث فمن اهتدى فلنفسه {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} .
وفي الختام لابدَّ أنْ نطلب دائمًا الهداية والصلاح...{ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .