في مثل ليلة القدر الجليلة يفترض أن نتساءل عن العلاقة بين هذه الليلة وبين شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، أو لنقل العلاقة بين القرآن ووصي المرسل بالقرآن ؟
وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة ، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة . فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة ، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد .
لقد كان الجيل الأول الذي أنزل عليه الكتاب يمتاز بأنه قد تجلت فيه وفي أفعاله وصفاته ومواقفه وحتى أفكاره ، آيات الكتاب .
وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وصنيع القرآن ، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم ، وكان بدوره قرآناً ناطقاً .
وإذا ما سأل أحدهم عن تطبيق هذا القرآن ، وكله سمو وعظمة ومجد وخلق عظيم ، وعن إمكان تحقق كل ذلك في هذا الكائن الضعيف الذي تحوم حوله الشكوك والأوهام ، وتحتوشه المشاكل والمخاطر والشهوات ، وهو الكائن المدعو بالإنسان ؟!
أقول : بلى ؛ لقد طبق أناس ما جاء في الكتاب بحذافيره ، ولم تكن ثمَّ فاصلة تعزلهم عما كان يحتوي ، وعلى رأس من حقق ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هذا الإنسان الذي سئل أحد الصحابة عنه ، فأجاب بقوله : كان خُلُقُه القرآن .
فإذا أردت رسول الله فاقرأ القرآن ، وإذا أردت القرآن فأنظر إلى رسول الله . ونفس رسول الله علي بن أبي طالب بشهادة القرآن ، إذ قال في قصة المباهلة((فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ))
ولذلك ؛ كان إذا أردنا فهم كتاب الله ، فعلينا أن نفهم رسول الله ثم علياً والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين . وإذا أردنا أن نفهمهم ، فلابد من قراءة القرآن قراءة حكيمة واعية . فقد كان أحدهم انعكاسا للآخر وتجسيدا له ، وإذا رغبنا باتباع القرآن فما علينا إلا دراسة حياة النبي وأهل بيته وأتباعهم ، وعكس ذلك صحيح قطعا .
فالإنسان الواعي والمنصف والراغب في معرفة القرآن يجد أن كل نص فيه أو مفهومه متجسداً بأهل البيت . فإذا هو قرأ قوله سبحانه وتعالى : )) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (( وجد مصداقه في حمزة سيد الشهداء ، حيث وجده النبي صلى الله عليه وآله متضرجاً بدمائه لما أصابه بما يزيد على سبعين جرحاً ، أما ما تجسد في الإمام علي عليه السلام وفي المعركة ذاتها ، قال الرسول الله صلى الله عليه وآله ، إن هذا موضع شكر ، تعقيبا على إرشاد الرسول له بالتحلي بالصبر . ثم إنك لتراه ولعل دموعه كانت تجري على خديه مخاطبا النبي الأكرم : لقد فاتتني الشهادة ، فيبشره النبي بأنها وراءه . فبقي علي بن أبي طالب طيلة حياته ينتظر لحظته الموعودة ، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، وهي من ليالي القدر ، حيث كان يكثر من الدعاء إلى الله بتعجيل الشهادة واللحاق بالرسول الأكرم . فقد استشهد على يد أشقى الآخرين ، حيث إستقبل الضربة الغادرة القاتلة بمقولته الشهيرة التي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن التلاحم المطلق بكتاب الله : (فزت ورب الكعبة)